حرص المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، على جعل دبي موقعاً متقدماً على خارطة الاقتصاد الدولي كمركز إقليمي وعالمي للتجارة الدولية والاستثمار المتبادل بين كل القارات وخارطة التنافسية العالمية، وأخذ الشيخ راشد بن سعيد، طيب الله ثراه، على عاتقه ضرورة توفير الخدمات الأساسية لسكان دبي، بعد أن تولى مقاليد الحكم في إمارة دبي العام 1958.
فأعلن عن رغبته في بناء مطار دبي، وتم الاختيار ما بين جبل علي والقصيص، ووقع الاختيار على القصيص لقربها من دبي وافتتح المطار في الثلاثين من سبتمبر 1960، وأدت سياسة السماء المفتوحة إلى جعل دبي مركزاً إقليمياً لحركة الطيران. وفي نهاية 1960 تم إنجاز مشروع خور دبي لتتوافد خطوط الملاحة إلى دبي معتمدة خور دبي كميناء رئيس.
وتسببت هذه الحركة المتزايدة في الخور في زيادة الطلب على الخدمات، واستجابة للحاجة الملّحة تم البدء مباشرة بالعمل على إيجاد أرصفة بحرية ومستودعات وتوسيع الخدمات الخاصة بتحميل وتفريغ السفن، كما تم توسيع وتطوير مرافق الخدمات الأخرى بالميناء. وفي ذات الفترة أصدر المغفور له مرسوماً بتأسيس شركة الكهرباء وأمر ببدء العمل الفوري في إنشاء مطار دبي.
كما تم إنشاء شركة الكهرباء العامة في 1959 وحصلت دبي على أول إمداد كهربائي في عام 1961، وفي عام 1960 أمر الشيخ راشد بإنشاء شركة التليفون والبرق واللاسلكي جنباً إلى جنب مع شركة كهرباء دبي، وكان يمارس إشرافاً دقيقاً على شركة التليفون باعتباره رئيساً لمجلس إدارتها.
وحرص، طيب الله ثراه، على توفير مناخ ملائم للتجارة بهدف جلب التجارة والشركات العالمية لدبي، وبذل جهوده في افتتاح بنك «إمبريال بنك أوف إيران»، الذي عرف بعد ذلك باسم «البنك البريطاني للشرق الأوسط» في عام 1954 واشترط في اتفاقية الإنشاء أن يتم تشغيل موظفين من أبناء دبي، وبعدها عرفت دبي الازدهار الاقتصادي.
وأصدر الشيخ راشد في 1963 مرسوماً بتأسيس أول بنك وطني، هو بنك دبي الوطني المحدود، برأسمال قدره مليون جنيه إسترليني بعد أن كانت التعاملات المالية والمصرفية حكراً على المصارف الأجنبية، فقد كانت دبي قبل مجيء المصارف الأجنبية إليها تفتقر إلى وجود مؤسسة مالية من هذا القبيل، وكان التجار يحتفظون بأموالهم في صناديق حديدية.
وقام الشيخ راشد بإنشاء دائرة الأراضي والأملاك في 1960 وأسند رئاستها لأكبر أنجاله وهو المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد، وبات الإسكان ضمن المشاريع العديدة التي بدأ العمل بها في دبي.
ميناء راشد
ويعد ميناء راشد انطلاقة أساسية في نهضة دبي التجارية والاقتصادية، فبعد أشهر قليلة على إعلان قيام الاتحاد في ديسمبر من عام 1971 افتتحت دبي في عام 1972 أول ميناء في المياه العميقة «ميناء راشد»، الذي جاء تتويجاً لتاريخ عريق لهذه الإمارة في مجال التجارة. وتم تشغيل ميناء راشد في مطلع عام 1972 وتم افتتاحه رسمياً في الخامس من أكتوبر من العام نفسه، ليلبي متطلبات أضخم السفن حجماً وسجل هذا الميناء الذي يقع بالقرب من مركز المدينة نجاحاً هائلاً، خصوصاً في ظل بنيته التحتية الجديدة بالكامل ومجتمع أعماله المزدهر.
وبعد 4 سنوات من العمل الذي انطلق في عام 1967 عندما بدأت دبي بتوجيهات المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، بإنشاء ميناء في المياه العميقة بطاقة استيعاب تصل إلى 4 مراس، كما هو مخطط له أصلاً، تقرر بعد ذلك مضاعفة عدد المراسي ليصل إلى 15 مرسى عند إنجاز المشروع، وارتفع عدد الأرصفة ليصل إلى 35 في عام 1978 بما في ذلك 5 أرصفة كبيرة وعميقة لمناولة أكبر سفن الحاويات، في حينه.
ويعتبر ميناء راشد نافذة رئيسة لربط دبي تجارياً بالعالم، تبعه ميناء جبل علي والتوسع الكبير في مطارات دبي، لتصبح دبي محوراً رئيساً في ربط الأسواق العالمية وتيسير حركة السفر والسياحة حول العالم، وذلك بفضل تطور البنية التحتية للإمارة والتحسين المستمر لخدماتها اللوجستية والجمركية.
ويعكس تطوير الميناء وتحويله من مشروع لوجستي إلى مشروع عقاري وسياحي التحولات الكبرى التي يشهدها اقتصاد دبي وقدرة المدينة على مواكبة التغيرات بخطط تواكب أجندة الأعمال في دبي وتمكين المشاريع من تحقيق نجاحات جديدة تخدم الاقتصاد الوطني.
مطار دبي
وحرص الشيخ راشد بن سعيد باني نهضة دبي الحديثة على أهمية امتلاك دبي مطاراً لخدمة عملية التنمية والازدهار المتنامي في الإمارة، حيث تم إنشاء المطار في سبتمبر 1960 وبمدرج طوله 1800 قدم فقط، وبدأ بعدد محدود من الرحلات، وعلى مدى العقود القليلة الماضية شهد مطار دبي الدولي نمواً متواصلاً، ليشكل المطار اليوم أكثر القصص والتجارب إلهاماً في تاريخ الطيران المدني.
وأصبحت فكرة مطار دبي، واقعاً وخير شاهداً على الطموح والإرادة والتحدي التي تميز قيادة الإمارة في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، فعندما سافر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مع والده المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، إلى لندن في صيف 1959، وشكل الإعجاب بالحركة النشطة في مطار هيثرو بداية قصة جديدة في قصص دبي التي لا تعرف المستحيل.
وبات مطار دبي الدولي أكبر مطارات العالم من حيث عدد المسافرين الدوليين، وأيقونة فريدة مجهزة بأحدث المعدات والتجهيزات، وجسراً ما بين الماضي والمستقبل، وحلقة وصل وربط لدبي بالعالم، وعنواناً لمدينة خلقت من كوكب آخر، لتصبح ملتقى جميع البشر من كل أرجاء العالم، ووجهة الجميع على اختلاف ألسنتهم ومشاربهم.
ونجح مطار دبي الدولي خلال 63 عاماً في التحول من مهبط صغير يعمل بشكل أساسي كمحطة للتزود بالوقود لعدد قليل من شركات الطيران ليصبح بوابة دولية لأكثر من 90 شركة خطوط جوية تخدم أكثر من 257 وجهة في 104 دول حول العالم وعلى رأس المحاور العالمية للمسافرين الدوليين، محتفظاً بصدارته للمطارات العالمية في عدد المسافرين الدوليين للعام التاسع على التوالي منذ العام 2014، ليصبح «قبلة العالم ووجهته»، كما وصفه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
حلم
وفي كتاب سموه «قصتي.. 50 قصة في خمسين عاماً»، يسرد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أصل الحلم ومسار الفعل والطموح الذي لا ينتهي والحلم الذي تحول إلى أيقونة عالمية، فتلك الرحلة لم تكن لحظة فارقة في طفولة سموه وحسب، وإنما في تاريخ دبي أيضاً، وهو ما يؤكده سموه بقوله: «كانت الطائرات القادمة إلى دبي تنزل في مياه الخور.
ولم يكن ممكناً استقبال الطائرات التجارية، كان والدي يريد أن يبني مهبطاً للطائرات، مكان المطار الحالي، وكان البريطانيون يرفضون إعطاء دبي حق إنشاء مطار، بحجة كفاية المطار في الشارقة، حيث توجد قاعدتهم العسكرية.. كان المطار في لندن يكتظ بأعداد هائلة من الناس، وكان منظر المطار مذهلاً ومهيباً».
خور دبي
وحرص المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، على جعل دبي مدينة متطورة، ومركزاً تجارياً مهماً في المنطقة، ويعتبر مشروع تنمية وتعميق خور دبي أول موانئ الإمارة الطبيعية أول المشاريع العملاقة التي بدأها منذ الخمسينات، وفي 1959 بدأت عملية تجهيز الخور للملاحة عن طريق تجريفه وسحب الطمي منه .
وذلك لأن تراكم الطمي في مياهه بشكل متسارع في الخمسينات أدى إلى انخفاض كبير في حركة الملاحة فيه، وكان على السفن انتظار المد حتى تتمكن من دخول الخور وبقيت بعض قوارب الصيد تعبر الخور بين فترة وأخرى. وبعد الوصول إلى العمق المطلوب، تم رصف جانبي الخور بالصخور والتربة الرسوبية ليرتفع مستوى جانبي الخور عن مستوى المياه. وسمح للتجار فيما بعد باستثمار الأراضي الجديدة على جانبي الخور للاستفادة من عوائد الاستثمار في تسديد تكاليف المشروع، وبحلول نهاية 1960 تم إنجاز مشروع خور دبي.
واجهت دبي صعوبات في تمويل مشروع توسعة الخور وبعد أن تبين أن قضية المساهمات الخارجية لا يمكن الاعتماد عليها، كان لا بد من توفير الأموال اللازمة لتنفيذه، فقامت حكومة دبي ببيع سندات مالية خاصة بالخور للتجار من أجل الحصول على تمويل عمليات المسح. كما تم في عام 1958 – 1959 تدبير قرض يساوي نصف مليون جنيه استرليني لتمويل عمليات الحفر في خور دبي.
وهكذا بدأت المرحلة الأولى من مشروع توسعة الخور. وكانت المرحلة الثانية من التوسعة في عام 1968 عندما أصدر الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم أوامره إلى شركة «هالكرو» لوضع مخطط شامل لتطوير الخور.
متابعة
وكان الشيخ راشد بن سعيد حريص على زيارة مواقع العمل على الخور عدة مرات في اليوم للوقوف على سير تنفيذ المشروع، وبعد إنجازه باتت حكومة دبي تجني ثمار هذا المشروع الحيوي.
وبدأ في دبي أكبر مشروع حيوي في تاريخها يوفر للإمارة ملامح بنية تحتية حديثة، إذ فاق مشروع تعميق الخور والميناء كل المشاريع الأخرى، باعتباره الشريان الحيوي الذي يغذي دبي ويعزز الحركة التجارية، ما جعل تطويره أولوية لدى حكومة دبي.
تمكن الشيخ راشد بن سعيد، طيب الله ثراه، من تحقيق ما كان يصبو إليه في هذا المشروع الحيوي والهام، وأثمرت جهوده في إنجاز المشروع وبعد ذلك بدأت خطوط الملاحة تتوافد إلى دبي معتمدة خور دبي كميناء رئيسي، وتسببت الحركة المتزايدة في الخور في زيادة الطلب على الخدمات، واستجابة للحاجة الملحة تم البدء مباشرة بالعمل على إيجاد أرصفة بحرية ومستودعات وتوسيع الخدمات الخاصة بتحميل وتفريغ السفن، وتوسيع وتطوير مرافق الخدمات الأخرى بالميناء.
ويعتبر خور دبي لساناً بحرياً يشبه النهر يقسم مدينة دبي إلى شقيها الأساسيين: ديرة وبر دبي، ويمثل الخور الشريان الذي يغذي التجارة التي تعتبر العمود الفقري في الإمارة، فالخور هو الميناء الطبيعي المميز الذي يشكل عنصراً حيوياً لدبي يجعل السفن تدخله في مأمن، ويتيح أن تقف على ضفتيه أعداد كبيرة من السفن، وأقيم على ضفتيه الفرضة أو الميناء في بر دبي وديرة، كما أقيم مبنى للمراقبة وتسجيل سفن الشحن الداخلة إلى الخور في مدخله في رأس «الشندغة».
نقطة تحول
ونهض هذا المشروع الحيوي بدبي وتجارتها وموانئها وكان بدء حفر الخور بداية لوضع دبي على الخارطة العالمية للموانئ الكبيرة في الخليج والشرق الأوسط، كونه يمثل الشريان الذي يغذي الحياة في دبي، ويجعلها متميزة ونادرة المثيل في المنطقة، وعلى جانبي الخور كان يقع الميناء وتقع الجمارك، واعتبره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، نقطة تحول رئيسية حدثت في تاريخ دبي العمراني، إذ استطاع الشيخ راشد بن سعيد بعزيمته وتخطيطه أن ينجز مشروع الخور وينقذ سمعة ميناء دبي من التراجع بسبب تراكم الرمال في مداخل الخور .
وفي قيعانه، ما كان يعيق دخول السفن ذات الحمولات الكبيرة في الخور، على الرغم من قلة الإمكانيات والموارد المالية المساعدة، آنذاك ولكن إصرار وهمة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، العالية، وسمعته وثقة الناس بوفاء هذا الرجل بتعهداته والتزاماته سهلت التمويل وجعلته ميسراً للقيام بهذا المشروع الحيوي لإمارة دبي.
تناول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، في كتابه «قصتي.. 50 قصة في خمسين عاماً» قصة «راشد بن سعيد.. دروس لا تنتهي»، إذ قال سموه: «بدأ والدي حكمه بالتركيز على خور دبي، وكان أهم مشروع بالنسبة له هو توسيع الخور وتعميقه وفتحه أمام السفن الكبيرة، وتمت العملية عبر الحفر داخل الرواسب الصخرية والرملية، ليصبح الخور أكثر عمقاً، واستقطب عدداً متزايداً من السفن وساهم في تعزيز التجارة».
نجاح دبي
وشكل المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، قلب قصة نجاح دبي، ومن خلال رؤية استشرفت مستقبل الإمارة وطموحات عانقت السماء. وهو ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بقوله: «كان للشيخ راشد أيضاً مكتب عند خور دبي، يراقب من خلال زجاجه المظلل حركة السفن وحركة البضائع.
كان يعرف السفن ويعرف أصحابها، حتى عندما كان بعض التجار الجدد يحاولون التهرب من دفع الرسوم الجمركية، كان الشيخ راشد يذكرهم بسفنهم الراسية وتجارتهم المزدهرة ويقول لهم: هذا حق الحكومة، فيتفاجأ التجار من معرفة الشيخ راشد بتفاصيل تجارتهم، فيزداد احترامهم وتقديرهم له».
ميناء راشد.. تتويج لتاريخ عريق لدبي في مجال التجارة ونافذة رئيسة تربطها بالعالم
مطار دبي.. شاهد على طموح وإرادة قيادة الإمارة في ماضيها وحاضرها ومستقبلها
خور دبي.. شريان الإمارة النابض ومشروع حيوي نهض بتجارتها وموانئها