د. خالد بن إبراهيم العليان
مفهوم التقاضي عن بعد أو التقاضي الإلكتروني مصطلح و مفهوم معاصر في القضاء، نشأ نتيجة الثورة التقنية والتكنلوجية الهائلة في كافة المجالات، ومن ذلك مرفق القضاء؛ فانعكس أثره على الدعوى القضائية، من حيث الإجراءات والموضوع، وكان أثره ظاهراً في العدالة الناجزة ؛إذ أضحت المحاكم محاكم إلكترونية إجراءً وموضوعًا، ابتداءً من قيد الدعوى، مرورًا بالتبليغات بمواعيد الجلسات وافتتاح الجلسات القضائية بحضور أطراف الدعوى من خلال غرف إلكترونية، وسماع البينات واستلام مستندات الدعوى وما تقتضيه الدعوى القضائية من التقدم بالتماس إعادة نظر، أو استئناف، أو نقضها لدى المحكمة العليا، مرورًا بصدور الحكم القطعي وتنفيذه لدى قضاء التنفيذ، وجميع ما تقتضيه الدعوى القضائية لدى القضاء بكافة درجاته يجري تنفيذه من خلال الوسائل الإلكترونية المعاصرة.
ولئن كان بعض جوانب إجراءات التقاضي سارت عليها بعض القوانين والأنظمة المعاصرة، لكنني أتوقف وأقف كثيراً عند تجربة المنظم السعودي في مسألة التقاضي عن بعد، إذ تحوَّل القضاء من محاكم تقليدية وأوراق وملفات وحضور خصوم وانتظار، إلى محاكم إلكترونية، فكانت مبادرة المنظم السعودي في الشأن العدلي والقضائي من المبادرات الرائدة والتاريخية في الشأن القضائي ، إذ تضمنت إقراراً لعدد من الأنظمة التي تنظم التعاملات الإلكترونية ، ومن ذلك؛ إقرار نظام التعاملات الإلكترونية، الذي تضمَّن حجّية التعاملات والتوقيعات والتبليغات الإلكترونية، وكذا نظام التجارة الإلكترونية، كما قرر نظام الإثبات السعودي في مواده الثالثة والخمسون وما تلاها على حجّية الأدلة الرقمية بكافة صورها، وقد تكلم الفقهاء رحمهم الله عز وجل في أحكام القضاء ما يُصطلح عليه في وقتنا المعاصر بالتقاضي عن بعد وقرروا أحكامه، ومن صوره عند الفقهاء ما يصطلح عليه بكتاب القاضي إلى القاضي، والقضاء على الغائب، واستخلاف القاضي لقاضٍ آخر؛ لتقرير بينة أو سماع شهادة على سوى ما تقدم من صور التقاضي عن بعد، أو ما يصطلح عليه في العصر الحاضر التقاضي الإلكتروني.