تُلقي العلاقات الإيرانية السورية بظلالها على المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط منذ عقود، وكثيرا ما وُصفت هذه العلاقة بالإستراتيجية، ولكن التغيرات السياسية الأخيرة في سوريا دفعت إلى إعادة تقييمها، لا سيما في سياق المتغيرات الدولية والإقليمية الأخيرة.
وثمة تساؤلات عن شكل ومستقبل هذه العلاقات على ضوء عدة عوامل حاسمة، أبرزها المواقف المتبادلة تجاه القضايا الأمنية والسياسية في المنطقة، والخطوط الحمراء التي تضعها طهران فيما يتعلق بالملف السوري، ودور إيران في دعم “محور المقاومة”، وكذلك دورها في الاستثمار الاقتصادي داخل سوريا.
إبقاء العلاقة
في الوضع الراهن، يبدو أنه ليس من الصعب التنبؤ بشكل دقيق بمستقبل العلاقات الإيرانية السورية، بحسب أستاذ اقتصاد التنمية في جامعة بيرمنغهام مرتضى أفقه الذي قال للجزيرة نت إن هذه العلاقة سوف تعتمد على مواقف النظام الجديد في سوريا تجاه إسرائيل من جهة، ومع إيران من جهة أخرى، بالنظر إلى تاريخ الصراع العسكري بين إيران وفصائل المعارضة.
لكن الباحث السياسي مهدي عزيزي يرى أن مصير سوريا سياسيا سيقرره الشعب السوري، وستكون هناك حكومة مقبلة على أساس الانتخاب، ومع وجود عملية سياسية ديمقراطية ستتعامل طهران معها بحكمة وعقلانية.
ويضيف للجزيرة نت أن الحكومة السورية الجديدة لم تمس بأمن إيران والأمن العام في المنطقة، وطهران تعتبر سوريا جزءا مهما من محور المقاومة.
واعتبر عزيزي أن مستقبل سوريا لم يتضح حتى الآن، ويعود ذلك برأيه إلى طبيعة تركيبة السكان ووجود خلافات بين الفرق المسلحة، فضلا عن التدخلات الخارجية، والجميع يريد الحفاظ على مصالحه: “لذلك لا أتوقع أي شي حتى تستقر الأمور في سوريا”.
وحدد الباحث الإيراني حالة واحدة يمكن أن تمنع طهران من التعامل مع الحكومة السورية الجديدة، وهي إذا اتخذت من إيران عدوا لها أو إذا اتهمت طهران بأنها ما زالت تقف مع نظام الأسد.
أما مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان، فأكد أن بلاده مستعدة للحفاظ على العلاقات الإيجابية مع النظام الجديد بسوريا إذا استعد هو لذلك، مشيرا إلى أنه لم تتضح بعد ملامح هذا النظام وطبيعة القوى التي ستشكله، مما يصعب معرفة طبيعة تطور العلاقات الإيرانية معه.
ومع ذلك، تبقى الصورة الكاملة للنظام السياسي الجديد غير مكتملة، بحسب تصريحات صدقيان للجزير نت، الذي قال فيها إن الجميع ينتظر اتضاح المشهد لاتخاذ قرارات بشأن طبيعة العلاقات المستقبلية.
بدوره، يقول أستاذ العلاقات الدولية والمحلل في مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية عباس أصلاني إن عديدا من المسؤولين الإيرانيين العسكريين والسياسيين أعلنوا دعمهم لسيادة سوريا وسلامة أراضيها، مؤكدا أن طهران تعتبر أن تفكك سوريا أو الدعوة إلى عدم الاستقرار فيها سيكون على حساب المنطقة بأسرها.
إيران وإسرائيل
وفي ما يتعلق بالموقف الإيراني تجاه الهجمات الإسرائيلية على سوريا مؤخرا، قال عزيزي إن إيران دانتها واعتبرتها انتهاكا للسيادة السورية، في حين يقول أصلاني إن طهران دعت إلى حماية الحكم الجديد بسوريا وطالبت المجتمع الدولي والجهات الفاعلة الإقليمية إلى وقف الهجمات الإسرائيلية، التي تراها إيران بمثابة جهود لإثارة الفوضى وعدم الاستقرار داخل سوريا.
واعتبر أصلاني أن طهران تدرك أن “سوريا الضعيفة” هي ما تريده إسرائيل، إذ تخشى تل أبيب من نقل الأسلحة المتقدمة إلى الحكومة السورية الجديدة وتعتبره أمرا خطيرا بالنسبة إليها.
وعن خطوط إيران الحمراء تجاه النظام الجديد في سوريا، حددها عزيزي بانتهاك المقدسات الدينية والشيعية في سوريا، وكذلك المس بأمن المنطقة والإقليم، خاصة العراق.
ملف الاقتصاد
وفي الشأن الاقتصادي، يقول بيمان مولوي أستاذ المحاسبة والاقتصاد المالي ومؤسس معهد مولو الإيراني إن طهران اتجهت إلى الاستثمار في الدول الحليفة لها للحفاظ على قوتها السياسية، وحاولت أن ترسخ هيمنتها “ولكن في الاقتصاد، عندما تتخذ أي خيار، فإنك تخسر الآخر”، وفق رأيه.
وأضاف للجزيرة نت أن إيران تراقب الاتجاهات الاقتصادية لسوريا مع حساب التكلفة والاستثمار فيها، وهي دولة لن ترفض أي استثمار لإعادة إعمارها.
وقال مولوي إنه بإمكان سوريا أن تلعب دورا مهما في “حرب الممرات”، وهي الحرب التي ستكون برأيه مهمة في العالم وستكون من أهم ركائز الصراع الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين في المستقبل، لا سيما مع المخاطر التي تتهدد الممرات في الشرق الأوسط، مما دفع دولا مثل الصين والهند للبحث عن بدائل أقل خطورة، وهنا ستكون سوريا مهمة للجميع (الهند والصين، وأميركا وأوروبا).