القاهرة – زار رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ القاهرة في توقيت تمر فيه مصر بأزمة اقتصادية حادة على خلفية التحديات الداخلية والخارجية، وذلك في إشارة إلى التقارب السريع بين البلدين والشراكة الاقتصادية.
وحاليا تُعد الصين من أكبر شركاء مصر، وتحتل المرتبة العاشرة بين الدول المستثمرة في السوق المصرية، وتستهدف الحكومة المصرية رفع ترتيبها لتصبح ضمن أكبر 5 مستثمرين في البلاد.
مبادلة الديون
في إطار هذه الزيارة، وقّع البلدان مجموعة من الاتفاقيات التي تعزز التعاون في مجالات متعددة، من بينها مبادلة الديون، والتعاون المالي، والتنمية الخضراء وخفض الانبعاثات الكربونية، إلى جانب تعزيز التجارة الإلكترونية، ودعم معايير الجودة، والتعاون في قطاع الصحة.
وشهد العام الماضي 2024 الاحتفال بالذكرى العاشرة لترفيع العلاقات بين مصر والصين إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة، كما أن العام المقبل 2026 سيكون عام الاحتفال بالذكرى السبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين.
ويرى خبراء ومراقبون مصريون أنه في إطار سياسة تنويع الشراكات الدولية لم يعد التعاون مع بكين خيارًا هامشيًا، بل مسارًا إستراتيجيًا تمليه الضرورة وتغذّيه الطموحات الاقتصادية والسياسية المشتركة.
لكن ما الذي تبحث عنه مصر في بكين تحديدًا؟ هل تسعى وراء التمويل في ظل أزمة سيولة؟ أم تطمح إلى نقل التكنولوجيا والخبرات؟ أم إلى بديل إستراتيجي في نظام عالمي يعاد تشكيله؟
في المقابل، كيف ترى بكين هذا التقارب؟ هل تتعامل مع مصر كشريك اقتصادي تقليدي، أم كحلقة محورية في مبادرة “الحزام والطريق” وبوابة عبور نحو أسواق أفريقيا وأوروبا؟
فرصة ذهبية
وصف عضو مجلس الأعمال المصري الصيني علي موسى مصر بأنها “دولة محورية في مبادرة “الحزام والطريق”، بفضل موقعها الجغرافي الإستراتيجي وقناة السويس التي تمثل نقطة ارتكاز لوجستية تُمكّن الصين من الوصول السريع والآمن للأسواق العالمية، ما يجعل مصر شريكا رئيسيا في خطط بكين التوسعية”.
ورغم ذلك، يضيف في تصريح للجزيرة نت، أن الصين كيان اقتصادي عملاق ولديه بدائل كثيرة ولذلك ينبغي أن تلبي مصر طموحات وتطلعات المستثمرين الصينيين في توفير مناخ استثماري يساعد على بقاء وتوسع الشركات الصينية في ظل الأجواء التنافسية.
يرى موسى أن الإقبال الصيني المتزايد على الاستثمار في مصر يُمثّل فرصة ذهبية للاقتصاد المصري للاستفادة من إمكانيات ثاني أكبر اقتصاد في العالم و بديل إستراتيجي هام.
لكنه حذر من وجود تحديات تعرقل جذب المزيد من الاستثمارات، أبرزها تعقيد الإجراءات الجمركية، وارتفاع أسعار الأراضي والضرائب، وزيادة التكاليف على المصنعين، كما شدد على ضرورة التوسع في الميكنة الصناعية، وتأسيس صناعات ثقيلة قادرة على دعم سلاسل الإنتاج المحلية.
الدور المالي للصين
على المستوى المالي، تناولت المباحثات بين الجانبين اتفاقية مبادلة العملات، وإجراء التسويات التجارية بالعملتين المحليتين، وإصدار مصر لسندات “الباندا” بسوق المال الصيني، وتعزيز الربط بين أنظمة المدفوعات، فضلًا عن توسيع حضور البنوك الصينية في مصر، وتمكين البنوك المصرية من التوسع في الصين.
وكانت مصر أول دولة أفريقية تصدر سندات “الباندا” المقومة باليوان في 2023 بقيمة 500 مليون دولار، لتمويل مشروعات تنموية وخضراء.
الصين في مشروعات مصر
إلى جانب الاستثمار تلعب الصين دورا محوريا في دعم جهود التنمية في مصر من خلال مشاركة العديد من الشركات الصينية في تنفيذ عدد من المشروعات التنموية المهمة في السوق المصرية مثل:
- مشروع بناء وتشغيل حي المال والأعمال بالعاصمة الإدارية الجديدة.
- أبراج مدينة العلمين الجديدة على الساحل الشمالي.
- القطار الكهربائي الخفيف بتكلفة 1.3 مليار دولار.
- تنمية وتطوير المنطقة الصناعية الصينية “تيدا” بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
الشركات الصينية
تُقبِل الشركات الصينية بشكل متزايد على التوسع تحديدا في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتي وصلت إلى أكثر من 200 شركة وسط توقعات بمضاعفة هذا الرقم إلى ألف شركة بحلول عام 2030 من خلال ضخ مليارات الدولارات في قطاعات عديدة ومتنوعة.
واستقطبت المنطقة خلال العامين الماضيين عشرات المشروعات بإجمالي استثمارات بلغت 6 مليارات دولار، شكّلت الاستثمارات الصينية منها نحو 40%، بحسب بيان للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وتستضيف مصر أكثر من 3050 شركة صينية بإجمالي استثمارات مباشرة تبلغ 1.2 مليار دولار حتى نهاية فبراير/شباط 2025.
كما تستهدف مضاعفة استثمارات الصين لديها إلى 16 مليار دولار خلال 4 سنوات، مقارنة بنحو 8 مليارات دولار حاليا، وفق تصريحات رئيس جهاز التمثيل التجاري المصري، عبد العزيز الشريف.
وقفز حجم التبادل التجاري بين مصر والصين إلى نحو 17 مليار دولار في عام 2024، مقارنة بـ16 مليارًا في 2023، بزيادة بلغت 6%، لكن الميزان التجاري يميل بشدة لصالح الصين.
تحديات عالمية وإقليمية
اعتبر مصطفى إبراهيم نائب رئيس مجلس الأعمال المصري-الصيني أن “التوقيت أهم من الحدث، بمعنى أن هناك تحديات عالمية وإقليمية تواجه كلا البلدين (مصر والصين) ويبحثان عن شركاء جدد أكثر مرونة وجاذبية، وسط توقعات أن تتفاقم المشاكل بين بكين وواشنطن على خلفية الخلافات التجارية، كما أن مصر تمثل مركزا حيويا في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية”.
وبشأن ما يميز استثمارات الصين، قال إبراهيم للجزيرة نت إنها تركز على الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، مثل الصناعات التعدينية والإلكترونية والكهربائية وصناعة السيارات، وهو ما يتماشى مع تطلعات مصر لنقل التكنولوجيا وتوطين صناعات إستراتيجية تعزز قدرتها الإنتاجية ضمن وجودها في مجموعة بريكس.
وأوضح إبراهيم أن معظم هذه الاستثمارات تتمركز في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، باعتبارها منطقة حرة توفر بيئة أكثر استقرارا، بعيدا عن تعقيدات الإجراءات الإدارية وتقلبات العملة التي تواجه المستثمرين في باقي أنحاء البلاد.
تبقى مسألة معالجة الاختلالات في الميزان التجاري بين البلدين إذ يرى نائب رئيس مجلس الأعمال المصري-الصيني أنه من الصعب معالجتها إلا بشكل جزئي من خلال فتح السوق الصينية أمام المزيد من الصادرات المصرية لأسباب تتعلق بحجم الإنتاج، لافتا إلى أن أغلب صادرات مصر منتجات زراعية ولا تتجاوز 400 مليون دولار.