أصبحت أمراض الكلى المزمنة أزمة صحية عالمية متزايدة، وفقًا لدراسة حديثة. تشير البيانات إلى أن عدد المصابين بهذه الأمراض قد تضاعف خلال العقدين الماضيين، مما يثير قلقًا بالغًا حول الصحة العامة على مستوى العالم. وتُظهر هذه الزيادة الحاجة الماسة إلى جهود وقائية وتوعوية مكثفة.
انتشار متزايد لأمراض الكلى المزمنة
أظهرت الأبحاث، التي قام بها فريق من جامعتي واشنطن الأمريكية وجلاسكو الاسكتلندية ومشاركة من مركز لانغون للأبحاث الطبية في نيويورك، أن عدد الأشخاص الذين يعانون من خلل في وظائف الكلى ارتفع من حوالي 378 مليون شخص في عام 1999 إلى ما يقرب من 788 مليون شخص حاليًا. هذا يعني أن واحدًا من كل سبعة بالغين في جميع أنحاء العالم يعاني من مشكلة كلى مزمنة، وهو رقم يبعث على التشاؤم. يرجع هذا الارتفاع إلى عوامل متعددة مثل الشيخوخة، وزيادة انتشار السكري وارتفاع ضغط الدم، والتعرض لبعض السموم.
الأسباب الرئيسية وتأثيرها
يرتبط ارتفاع معدلات أمراض الكلى بشكل وثيق بانتشار الأمراض المزمنة الأخرى، وعلى رأسها السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية. يؤدي ارتفاع السكر في الدم الناتج عن مرض السكري إلى تلف الأوعية الدموية الصغيرة في الكلى، مما يضعف قدرتها على تصفية الدم. بالإضافة إلى ذلك، يساهم ارتفاع ضغط الدم في إجهاد الكلى وتلفها.
وتشير البيانات إلى أن أعداد الوفيات المرتبطة بأمراض الكلى ارتفعت أيضًا. ففي عام 2023 وحده، سُجلت حوالي 1.5 مليون حالة وفاة بسبب أمراض الكلى، بزيادة قدرها 6% مقارنة بالثلاثين عامًا الماضية. هذا يؤكد أن الفشل الكلوي ليس مجرد مشكلة صحية، بل هو خطر يهدد حياة الملايين.
التحديات التشخيصية والعلاجية
من أبرز التحديات التي تواجه مكافحة أمراض الكلى المزمنة هو التأخر في التشخيص. غالبًا ما لا تظهر أعراض هذه الأمراض بشكل واضح في المراحل المبكرة، مما يجعل اكتشافها صعبًا. ونتيجة لذلك، يتلقى العديد من المرضى العلاج في مراحل متقدمة، عندما تكون فرص الشفاء محدودة.
عندما تتدهور وظائف الكلى بشكل كبير، قد يحتاج المريض إلى علاج غسيل الكلى أو حتى زراعة الكلى. ومع ذلك، فإن هذه العلاجات مكلفة وتتطلب رعاية طبية متخصصة، مما يمثل عبئًا كبيرًا على المرضى وأنظمة الرعاية الصحية. تعتبر الوقاية والتشخيص المبكر من أهم الاستراتيجيات لتقليل الحاجة إلى هذه العلاجات المكلفة.
تأثير عالمي ودراسة “لانسيت”
استند الباحثون في هذه الدراسة إلى بيانات من الدراسة الدولية للأعباء المرضية، التي تتبع الاتجاهات الصحية في 204 دولة حول العالم. ركزت الدراسة على البالغين الذين تبلغ أعمارهم 20 عامًا أو أكثر، وحللت البيانات التي جُمعت على مدى الفترة من 1990 إلى 2023. ووفقًا للدراسة المنشورة في الدورية العلمية المرموقة “لانسيت”، فإن أمراض الكلى تتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة بسبب ارتفاع تكاليف العلاج وانخفاض الإنتاجية.
وفي تصريحات نقلها الموقع الإلكتروني “هيلث داي” المتخصص في الأبحاث الطبية، أكد الطبيب جوزيف كورش من مركز لانغون للأبحاث الطبية أن هذه الدراسة تؤكد مدى شيوع وخطورة أمراض الكلى، وأنها تتفاقم لتصبح مشكلة صحية عامة. واضاف ان هناك حاجة ملحة لزيادة الوعي بأهمية الكشف المبكر وتغيير نمط الحياة للحد من خطر الإصابة بهذه الأمراض.
الخطوات المستقبلية والتوقعات
من المتوقع أن تستمر أعداد المصابين بأمراض الكلى في الارتفاع في السنوات القادمة، وذلك بسبب استمرار العوامل المؤدية لهذه المشكلة. ويركز الباحثون حاليًا على تطوير استراتيجيات فعالة للوقاية والكشف المبكر، بالإضافة إلى تحسين خيارات العلاج المتاحة. تشمل هذه الاستراتيجيات تعزيز التثقيف الصحي، وتشجيع الفحوصات الدورية، وتطوير أدوية جديدة لحماية وظائف الكلى. من المقرَّر نشر المزيد من النتائج التفصيلية لهذه الدراسة وتحليلاتها في الربع الأول من عام 2026، مما قد يوفر رؤى إضافية لفهم هذا التحدي الصحي العالمي.













