أثار بيان صادر عن مكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، يتهم مصر بالتمسك بعقلية استعمارية في ملف سد النهضة، جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي وبين مراقبين سياسيين. البيان، الذي نشر الأربعاء، يمثل تصعيداً في الخلاف المستمر حول ملء وتشغيل السد، ويحمل اتهامات مباشرة للقاهرة بتقويض جهود التنمية في إثيوبيا والمنطقة.
وطالبت الخارجية الإثيوبية مصر بالتخلي عن “الحقوق التاريخية” التي تدعيها في مياه النيل، والتي تعتبرها أديس أبابا لا أساس لها في القانون الدولي. كما اعتبرت البيان أن مصر ترفض الحوار وتتبع سياسة تهدف إلى إضعاف دول القرن الأفريقي لتحقيق مصالحها الخاصة.
خلفية الخلاف حول سد النهضة
يعود الجدل حول سد النهضة إلى عام 2011، عندما بدأت إثيوبيا في بناء السد على النيل الأزرق. تعرب مصر والسودان عن مخاوفهما بشأن تأثير السد على تدفق المياه، خاصة في أوقات الجفاف. تصر مصر على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يضمن حصتها السنوية من المياه البالغة 55 مليار متر مكعب، كما هو منصوص عليه في اتفاق عام 1959.
وترى إثيوبيا أن السد ضروري لتوليد الطاقة الكهربائية وتحقيق التنمية الاقتصادية، وأن لديها الحق في استخدام مواردها المائية. وتؤكد أديس أبابا التزامها بعدم الإضرار بمصالح مصر والسودان، وأنها مستعدة للتعاون للوصول إلى حلول مرضية للجميع.
ردود الفعل على البيان الإثيوبي
أثار البيان ردود فعل متباينة على منصات التواصل الاجتماعي. اعتبر العديد من المستخدمين المصريين البيان “استفزازياً” و”تعدياً على الأعراف الدبلوماسية”، مؤكدين على حق مصر التاريخي والقانوني في مياه النيل، وأن اتهامها بالسعي لزعزعة الاستقرار هو “افتراء”.
في المقابل، أشاد مدونون إثيوبيون بالبيان، واعتبروه “دفاعاً عن السيادة الوطنية وحق إثيوبيا في التنمية”. وأكدوا أن مصر تعيق جهود التنمية في إثيوبيا من خلال التمسك باتفاقيات قديمة لا تعترف بحقوق إثيوبيا في مواردها المائية. الخلاف حول الموارد المائية أصبح محوراً للتوتر الإقليمي.
وانتقد البعض الآخر البيان، معتبرين أنه يعقد المفاوضات ويصعب التوصل إلى حلول وسط. وأشاروا إلى أهمية الحوار والتعاون بين الدول الثلاث لحل الخلافات بشكل سلمي.
موقف السودان من القضية
يلعب السودان دوراً محورياً في هذه القضية، حيث يقع سد النهضة على مقربة من حدوده. يدعم السودان بشكل عام موقف مصر في المطالبة بضمانات بشأن تدفق المياه، ولكنه يسعى أيضاً إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع إثيوبيا.
وقد دعا السودان إلى استئناف المفاوضات بين الدول الثلاث برعاية الاتحاد الأفريقي، بهدف التوصل إلى اتفاق شامل يراعي مصالح جميع الأطراف. الأمن الإقليمي مرتبط بشكل وثيق بحل هذه القضية.
يذكر أن المفاوضات الأخيرة برعاية الاتحاد الأفريقي قد توقفت دون تحقيق تقدم ملموس. وتتهم كل من مصر وإثيوبيا الطرف الآخر بتعطيل المفاوضات والتمسك بمواقف غير واقعية.
تداعيات محتملة وتوقعات مستقبلية
البيان الإثيوبي يمثل تصعيداً جديداً في التوتر القائم، وقد يؤدي إلى تعقيد جهود التوصل إلى حل سلمي. من المرجح أن تستمر الخلافات حول ملء وتشغيل السد، وأن تزداد الضغوط على الدول الثلاث.
من المتوقع أن تسعى مصر والسودان إلى حشد الدعم الدولي لموقفهما، وأن تضغط على إثيوبيا للعودة إلى طاولة المفاوضات. في الوقت نفسه، من المرجح أن تواصل إثيوبيا بناء السد وملئه، مع التأكيد على التزامها بعدم الإضرار بمصالح الدولتين المجاورتين.
الوضع لا يزال غير واضح، ولا يمكن التنبؤ بالمسار الذي ستسلكه القضية في المستقبل. ومع ذلك، من الواضح أن التوصل إلى حل عادل ومستدام أمر ضروري للحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة. من المتوقع أن يعقد الاتحاد الأفريقي اجتماعاً جديداً في يناير 2026 لمناقشة القضية ومحاولة إيجاد حلول.













