أثار مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد في الكويت جدلاً واسعاً بين القانونيين والمهتمين بالشأن الاجتماعي، حيث يرى البعض أنه يمثل تراجعاً في حقوق المرأة والأسرة. وقد افتتح معهد المرأة للتنمية والسلام، بالتعاون مع مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية، ملتقى “حوار السلم الاجتماعي” لمناقشة المسودة وتداعياتها المحتملة على المجتمع الكويتي. يركز النقاش بشكل خاص على التغييرات المقترحة في قضايا مثل الوصية، والنفقة، والحضانة، والطلاق، وتأثيرها على استقرار الأسرة.
نقاش حول قانون الأحوال الشخصية: هل هو تعديل أم إعادة صياغة؟
تحدث الدكتور محمد الفيلي، أستاذ القانون العام بجامعة الكويت، خلال افتتاح الملتقى، مستفسراً عما إذا كانت المسودة تمثل تعديلاً على قانون قائم أم أنها تقدم رؤية جديدة تماماً. وأشار إلى أن المذكرة التفسيرية للقانون تشير إلى تدخل المشرع العادي وليس السلطة التنفيذية، مما يضع التعديلات في إطار أوسع من مجرد التعديلات الإجرائية. وأضاف الفيلي أنه لم يجد رؤية واضحة في المسودة، مما يثير تساؤلات حول الفلسفة التي تقوم عليها.
إلغاء الوصية الواجبة وتأثيرها
أحد أبرز التغييرات المثيرة للجدل في المسودة هو إلغاء الوصية الواجبة، وهو ما أثار انتقادات واسعة من قبل المدافعين عن حقوق المرأة. ترى المحامية كوثر الجوعان، رئيسة معهد المرأة للتنمية والسلام، أن هذا الإلغاء يمثل انتكاسة لحقوق المرأة الشرعية والمدنية المكتسبة.
تعديلات على النفقة والحضانة والطلاق
كما تتضمن المسودة تغييرات مقترحة على قوانين النفقة والحضانة والطلاق، والتي يخشى البعض أن تؤثر سلباً على استقرار الأسرة وحقوق الأطفال. وتساءلت المحامية آلاء السعيدي عما إذا كان التعديل الجذري للقانون ضرورياً بعد مرور أكثر من 40 عاماً على صدوره، أم أن تعديلات إضافية كانت كافية لمعالجة المشكلات القائمة. وأكدت على أهمية حماية الأمومة والطفولة كركيزة أساسية في أي تعديل قانوني.
من جانبه، أوضح الدكتور فيصل الميع، أستاذ الفقه وأصوله بجامعة الكويت، أن التعديلات جاءت استجابة لعدة أسباب، منها وجود اتفاقيات دولية، وتعديل سن الزواج، ومعالجة إشكاليات في التطبيق العملي للقانون. كما أشار إلى أن التعديلات تهدف إلى تنظيم الحياة وفقاً للشريعة الإسلامية، مع الأخذ في الاعتبار التطورات العلمية الحديثة مثل استخدام الحمض النووي (DNA).
ولفت الدكتور الميع إلى أن مفهوم الولاية على المرأة لا يعني بالضرورة تقييدها، بل هو تعبير عن مسؤولية حمايتها وتوجيهها. وأشار إلى أن هناك أيضاً ولاية جزئية على الرجل، مما يدل على أن النظام القانوني يسعى إلى تحقيق التوازن بين حقوق وواجبات الطرفين.
في سياق منفصل، سلط اللواء المتقاعد بدر الغضوري الضوء على الأثر السلبي للتفكك الأسري على الأطفال. وأكد أن الأطفال هم الضحايا الصامتين للطلاق والخلافات الزوجية، وأنهم يتعرضون لأشكال مختلفة من الإيذاء النفسي والجسدي والإهمال. وأضاف أن التفكك الأسري يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات سلوكية وضعف الانتماء وزيادة احتمالات الانحراف لدى النشء، مما يجعله قضية أمنية واجتماعية في آن واحد.
يرى خبراء أن النقاش الدائر حول قانون الأحوال الشخصية يعكس صراعاً بين الرؤى المختلفة حول دور المرأة والأسرة في المجتمع الكويتي. وتتراوح هذه الرؤى بين الدعوة إلى الحفاظ على التقاليد والقيم الدينية، والسعي إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
من المتوقع أن يستمر النقاش حول المسودة في الأيام والأسابيع القادمة، مع إمكانية إجراء تعديلات عليها قبل عرضها على مجلس الأمة للموافقة عليها. وتشير التقديرات إلى أن القانون قد يحتاج إلى مزيد من الدراسة والتشاور مع مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك القانونيين والعلماء الشرعيين والناشطين في مجال حقوق المرأة، لضمان تحقيق التوازن بين حقوق وواجبات جميع أفراد الأسرة.
ما يجب مراقبته في الفترة القادمة هو رد فعل مجلس الأمة على المسودة، وما إذا كان سيتم إجراء تعديلات جوهرية عليها قبل إقرارها. كما يجب متابعة ردود أفعال المجتمع المدني والجهات المعنية الأخرى، وتقييم الأثر المحتمل للقانون الجديد على استقرار الأسرة وحقوق المرأة والأطفال في الكويت.












