مع عرض فيلم “الست” مؤخراً، تصاعدت التوقعات حول معالجة سينمائية جديدة لحياة أسطورة الغناء العربي، أم كلثوم. الفيلم، الذي يعتبر من أبرز الأحداث الفنية في نهاية عام 2025، لا يسعى لإعادة سرد السيرة الذاتية التقليدية، بل يركز على لحظات رئيسية في مسيرة كوكب الشرق، مما أثار نقاشات واسعة حول مدى نجاحه في التقاط جوهر هذه الشخصية الاستثنائية. هذا التقرير يقدم تحليلاً مفصلاً لأوجه القوة والضعف في فيلم أم كلثوم.
من إخراج مروان حامد وسيناريو أحمد مراد، يشارك في بطولة الفيلم منى زكي التي تجسد شخصية أم كلثوم، بالإضافة إلى مجموعة من النجوم البارزين مثل محمد فراج وسيد رجب وأحمد خالد صالح. الفيلم يندرج ضمن تصنيف الدراما والسيرة الذاتية، ويحاول تقديم رؤية فنية جديدة لأم كلثوم تتجاوز حدود التقديس التقليدي وتستكشف جوانب إنسانية في شخصيتها.
الست وغياب وجهة النظر الواضحة
منذ اللحظات الأولى للعرض، يتضح أن “الست” يتبنى أسلوباً سردياً غير خطي، حيث ينتقل بين فترات زمنية مختلفة في حياة أم كلثوم. هذا الأسلوب، بينما يمنح الفيلم إيقاعاً سريعاً وشعوراً بالديناميكية، أدى أيضاً إلى إضعاف البناء الدرامي العام وعدم وجود رؤية موحدة تقود الأحداث. يبدو الفيلم أشبه بجمعية من اللحظات المؤثرة بدلاً من قصة كاملة ومتماسكة.
يركز الفيلم على إبراز لحظات الصعود والانكسار، القوة والضعف، في حياة أم كلثوم، محاولاً تسليط الضوء على التناقضات التي شكلت شخصيتها المعقدة. ومع ذلك، فإن المعالجة السريعة لهذه اللحظات وعدم استكشافها بعمق كافٍ يجعلها تبدو سطحية وغير مؤثرة في كثير من الأحيان.
بالإضافة إلى ذلك، يفتقر الفيلم إلى وجهة نظر واضحة حول أم كلثوم. فهو لا يقدم تفسيراً محدداً لأحداث حياتها ولا يحاول تبني موقفاً معيناً تجاه شخصيتها. بدلاً من ذلك، يكتفي بعرض الحقائق والمشاعر بشكل محايد، مما يترك المتفرج يشعر بالحيرة والغموض. وهذا التجاهل يضعف تأثير العمل ويهمش قدرته على تقديم إضافة حقيقية.
تحديات معالجة الأيقونات
أحد التحديات الرئيسية التي واجهت صناع الفيلم هو كيفية التعامل مع شخصية أيقونية بحجم أم كلثوم. فمن ناحية، كان عليهم تجنب الوقوع في فخ التقديس الذي يمكن أن يفسد العمل ويجعله مملًا. ومن ناحية أخرى، كان عليهم الحرص على عدم المساس بالصورة الذهنية المحبوبة لأم كلثوم لدى الجمهور العربي.
يبدو أن الفيلم اختار مساراً وسطاً بين هذين القطبين، حيث حاول تقديم أم كلثوم كإنسانة عادية لها عيوبها ونقاط ضعفها، ولكن في الوقت نفسه حافظ على هيبتها ومكانتها كرمز للغناء العربي. ومع ذلك، فإن هذا المسار الوسط أدى إلى تراجع حدة الصراع الدرامي، وجعل الفيلم يبدو باهتاً وغير ملهم.
الاعتماد المفرط على النجوم (ضيوف الشرف) وطول قائمتهم أثر أيضاً على تركيز الفيلم. حيث بدت بعض المشاهد مصطنعة ومخصصة لإظهار النجم الضيف، بدلاً من أن تخدم القصة الرئيسية، مما أضعف تدفق الأحداث وانسجامها. الفيلم يُظهر هذه المشكلة بشكل ملحوظ.
الجانب التقني والأداء التمثيلي
من الناحية التقنية، يتميز الفيلم بجودة عالية في التصوير والموسيقى والمونتاج. ومع ذلك، فإن المونتاج السريع والتقطيعات المتتالية أزعجت بعض المشاهدين وأدت إلى تشتيت انتباههم. وكان من الأفضل استخدام مونتاج أكثر هدوءًا وتماسكًا للسماح للمشاهد بالتركيز على الأحداث والشخصيات.
أما بالنسبة للأداء التمثيلي، فقد قدمت منى زكي أداءً مقنعاً ومؤثراً في دور أم كلثوم، وتمكنت من تجسيد ملامح القوة والضعف في شخصية كوكب الشرق. كما قدم النجوم الآخرون أداءً جيداً، ولكن المساحة المحدودة المخصصة لهم لم تسمح لهم بتقديم إسهامات كبيرة في العمل. منى زكي هي النقطة المضيئة في هذا العمل السينمائي.
بشكل عام، يمكن القول أن فيلم “الست” هو محاولة سينمائية واعدة لتناول حياة أم كلثوم، ولكنها لا ترقى إلى مستوى التوقعات بسبب ضعف البناء الدرامي وغياب وجهة النظر الواضحة.
من المتوقع أن يثير الفيلم المزيد من النقاشات والجدالات في الأيام القادمة، وأن يخضع لتقييمات مختلفة من قبل النقاد والجمهور. ومن المقرر أن يتم عرض الفيلم في عدد من المهرجانات السينمائية العربية والعالمية في بداية عام 2026، مما قد يساهم في زيادة شهرته وتقييمه. سيكون من المهم متابعة ردود الفعل على الفيلم في هذه المهرجانات لتقييم تأثيره الحقيقي على صناعة السينما العربية.













