في قلب معرض الحرف السعودية “بنان”، تبرز موهبة الحرفي عبدالعزيز الزومان وزوجته في إحياء السدو، هذه الحرفة التقليدية العريقة، وتقديمها بلمسة عصرية تجذب الزوار وتعيد إليها الحياة. يعرض الزومان أعماله المميزة التي تجمع بين الأصالة والابتكار، مما يسلط الضوء على هذا الفن الصحراوي الغني بالتراث. يقام المعرض حاليًا في مركز الرياض الدولي للمؤتمرات والمعارض ويستمر حتى 18 مايو 2024.
يُعد “بنان” منصة رئيسية لدعم الحرفيين وتعزيز الحرف اليدوية السعودية، حيث يشارك فيه أكثر من 600 حرفي وحرفية من مختلف مناطق المملكة. يهدف المعرض إلى الحفاظ على التراث الثقافي السعودي وتطويره، بالإضافة إلى توفير فرص اقتصادية للحرفيين. وقد شهد المعرض منذ افتتاحه إقبالًا كبيرًا من الزوار المحليين والدوليين.
السدو: من مخيمات البادية إلى منصات العرض الحديثة
تاريخيًا، كان السدو حرفة نسائية بدوية أساسية تعتمد على مواد طبيعية متوفرة في البيئة الصحراوية. استخدمت النساء البدويات الصوف، وبرنبل، وشعر الماعز والإبل في صناعة المفروشات، وبيوت الشعر، والملابس التقليدية، كل منها يتميز بجودته وخصائصه الفريدة. ومع تطور الحياة، بدأت هذه الحرفة تواجه تحديات للحفاظ على استمراريتها.
تجديد الحرفة مع الحفاظ على الجذور
بدأ الزومان وزوجته رحلتهما في عالم السدو قبل أربع سنوات بتلقي التدريب على يد حرفيات الطائف. لم يكتفيا بالتعلم التقليدي، بل سعيا لتطوير الحرفة من خلال استخدام مواد مستدامة وخفيفة الوزن مثل القطن والنايلون والأسلاك. هذا التنوع في المواد سمح لهما بتقديم منتجات تتناسب مع احتياجات مختلفة، وتوسيع قاعدة الجمهور المهتم بـالسدو.
بالرغم من إدخال مواد جديدة، حرص الزومان وزوجته على الحفاظ على النقوش السعودية التقليدية التي تميز السدو. تتضمن هذه النقوش المذخّر، والعورجان، والشجرة، و”ضرس الخيل”، وهي رموز تعكس ثقافة وتراث الجزيرة العربية. هذه النقوش ليست مجرد زخارف، بل تحمل قصصًا ومعاني عميقة مرتبطة بحياة البادية.
ولم يقتصر عملهما على المفروشات والملابس التقليدية، بل امتد ليشمل تصميمات مبتكرة مثل دمج قطع من السدو في هدايا تذكارية، كخريطة المملكة على شكل مغناطيس. هذا التوجه يهدف إلى تعريف الزوار على هذه الحرفة العريقة بشكل جذاب وعصري.
دمى الإبل كرمز للتراث
تعتبر دمى الإبل المستوحاة من ثقافة الصحراء من أبرز أعمال دار هيلة، التي يديرها الزومان وزوجته. اشتهرت الدمية “الجمل دوسر” التي أُطلقت في عام 2024، وهي تجسيد للجمل الضخم المعروف بقدرته على التحمل في الجزيرة العربية. إضافة إلى ذلك، قدموا دمية تمثل الناقة، بهدف إبراز أهمية الإبل في حياة البدو وثقافتهم.
هذه الدمى ليست مجرد تحف فنية، بل هي وسيلة لتعريف الأجيال الجديدة بأسلوب حياة الصحراء وعادات أهلها. كما أنها تعكس التنوع البيولوجي في المملكة العربية السعودية، وما يرتبط به من نباتات مثل شجرة السدر وفوائدها الطبية التقليدية.
يجذب عمل الزومان وزوجته اهتمامًا كبيرًا من الزوار نظرًا للتوازن الذي يقدّمه بين التراث والحداثة. يُظهر هذا التوازن قدرة السدو على أن يكون عنصرًا فنيًا وعمليًا يمكن دمجه في الحياة اليومية، مما يساهم في استمرارية هذه الحرفة.
بالإضافة إلى السدو والإبل، يشارك في معرض “بنان” العديد من الحرفيين الذين يعرضون أعمالًا في مجالات مختلفة مثل النجارة، والفخار، وصناعة المجوهرات، والنسيج. يُساهم هذا التنوع في إثراء المعرض وتقديم تجربة ثقافية شاملة للزوار. الحرف اليدوية السعودية، مثل السدو، تحظى بدعم متزايد من وزارة الثقافة والجهات المعنية.
يتطلع عبدالعزيز الزومان وزوجته إلى المستقبل بخطط طموحة لتطوير السدو وإعادة إحياء الحرف التقليدية. يخططون لإطلاق سلسلة من القصص التعليمية والترفيهية التي تهدف إلى تعريف الأجيال الشابة بهذه الحرف، والمناطق المرتبطة بها، وكيفية ربط السدو بتاريخ المملكة وتنوعها الثقافي.
يتوقع أن تشكل هذه المبادرة خطوة مهمة في الحفاظ على هذا التراث الثقافي وتعزيزه. من الضروري متابعة جهود الحرفيين ودعمهم، بالإضافة إلى الاستثمار في تطوير الحرف اليدوية السعودية لتلبية احتياجات السوق المتغيرة. يبقى مستقبل الحرف التقليدية السعودية رهنًا بالاهتمام المستمر والدعم المتزايد من جميع الأطراف المعنية.













