كولومبو- أعلنت لجنة الانتخابات العامة في سريلانكا فوز المرشح اليساري أنورا كومارا ديساناياكا، بفارق أكثر من مليون صوت عن منافسه ساجيث بيراماداسا بالمرحلة الثانية من عد الأصوات، وذلك بعد استبعاد كافة المرشحين الآخرين البالغ عددهم 36 بالمرحلة الأولى من الفرز، وذلك وفق نص القانون الانتخابي.
وهذه المرة الأولى في تاريخ الانتخابات السريلانكية التي يُلجأ فيها لمرحلة ثانية من فرز أصوات الناخبين، وذلك لعدم حصول أي من المترشحين على نسبة تزيد على 50% بالمرحلة الأولى، حيث يتيح النظام الانتخابي للناخبين خيارا ثانيا وثالثا في ورقة الاقتراع.
واعتبر كثيرون فوز ديساناياكا (55 عاما) سابقة تاريخية من عدة أوجه، فهذه المرة الأولى التي تتقلد فيها هذا المنصب شخصية من الطبقة الفقيرة، ولا ينتمي لإحدى العائلات السياسية التي تداولت السلطة منذ الاستقلال عام 1948.
كما يحمل الرئيس الجديد فكرا ماركسيا، من شأنه أن يغير وجهة سريلانكا السياسية والاقتصادية، وقد وعد بتغيير جذري في نظام الحكم ومراجعة الاتفاقيات الموقعة مع صندوق النقد الدولي من أجل إعادة جدولة الديون.
وكانت سريلانكا قد وقعت اتفاقا مع صندوق النقد يقضي بمنحها حزمة إنقاذ بنحو 2.9 مليار دولار، على شكل قرض ينفذ على مراحل، ويمكّنها من إعادة جدولة ديونها المستحقة التي تقدر بـ17 مليار دولار.
استفتاء على النخبة
ينظر كثير من المحللين السياسيين للانتخابات -التي أجريت أمس السبت- على أنها استفتاء على النظام السياسي والنخبة الحاكمة، وذلك بعد عامين من ثورة شعبية أطاحت بحكم عائلة راجاباكسا، في أعقاب أزمة اقتصادية وضعت البلاد على حافة الإفلاس.
بل إن مانجولا غاجاناياك، رئيس معهد الإصلاح الديمقراطي والدراسات الانتخابية في كولومبو، اعتبرها انتخابات احتجاجية، وحسب تعبيره “إنها المرة الأولى منذ اعتماد النظام الرئاسي عام 1978 التي يعتقد فيها الناس أنهم قادرون على فعل شيء مختلف”.
ومن مفارقات هذه الانتخابات برأي غاجاناياك، أن الرئيس رانيل ويكريمسينغه تخلى عن حزبه ودخلها بصفته مستقلا، وبدا كأنه يقف وحيدا في مواجهة جميع المرشحين الآخرين متسلحا بمقدرات الدولة.
ويضيف غاجاناياك -في حديثه للجزيرة نت- أن احتدام المنافسة بين عدة مترشحين أدى إلى توزيع الأصوات والذهاب إلى جولة ثانية من العد لحسم النتيجة بين المرشحيْن اللذين حصلا على أعلى الأصوات في مرحلة العد الأولى، خلافا لجميع الانتخابات السابقة التي كان ينحصر فيها السباق بين اثنين.
ثقافة سياسية جيدة
من ناحيته، اعتبر عضو اللجنة التنفيذية لحزب قوة الشعب الوطني منير مظفر أن الانتخابات “أنهت عهد العنصرية والعنف والتطرف” وهو ما يميزها عن سابقاتها التي قسمت المجتمع السريلانكي على أسس دينية وعرقية ومناطقية.
ويعيد مظفر سبب التحول في فكر الناس إلى أن النظام السابق رحل بثورة شعبية عام 2022، وحمّل الناس النخبة السياسية مسؤولية تفاقم المشاعر العنصرية التي بدأت عام 2015 من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، واستهدفت بدرجة أولى الأقلية المسلمة.
وقال في حديثه للجزيرة نت إن الاقتصاد عامل ضاغط في تحول الناخبين، والتصويت لديساناياكا هو اختيار للبديل الذي يقدمه، والذي يتبنى المساواة والعدالة الاقتصادية.
ويعزو سبب خسارته انتخابات عام 2019، والتي حصل فيها على 3.5% من الأصوات، إلى أنها كانت قائمة على أسس عنصرية، حيث انتخب سكان الجنوب ذي الغالبية السنهالية راجاباكسا الذي وعدهم بالأمن بعد هجمات عيد الفصح، بينما انتخب الشماليون والشرقيون ذوو الأقليات المسلمة والتاميلية بريماداسا خوفا من وصول راجاباكسا للسلطة مدعوما بالمتطرفين.
وبرأي مظفر، فقد قرأ كثير من المثقفين نتيجة الانتخابات الأخيرة بأنها تعبير عن رغبة شعبية بتغيير الثقافة السياسية التي يعتقدون أنها قائمة على الفساد والمحسوبية والعائلات السياسية، ويحملون الساسة مسؤولية التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي آلت إليه سريلانكا.
ويعتقد كثير من السريلانكيين أن أحزاب الحكم السابقة فاسدة، ولا يمكن الاعتماد عليها في الإصلاح، لا سيما أن المتطرفين الذين كانوا يتصدرون المشهد اختفوا في هذه الانتخابات، بعد أن كانت تستغلهم الأحزاب لأسباب انتخابية وفق قاعدة “فرق تسد”.