الخرطوم – يودع السودان عام 2024 بينما لا تزال الحرب مستمرة في البلاد، مما زاد من معاناة الشعب وتسبب في أزمات إنسانية واقتصادية حادة. وتشهد البلاد تحولات كبيرة في خريطة السيطرة الميدانية، مع ترسيخ نفوذ القوات المتناحرة في مناطق مختلفة. وتتجه الأنظار نحو العام الجديد بأمل حذر في تحقيق الأمن والسلام، على الرغم من المشهد العسكري والسياسي القاتم الذي يسيطر على الساحة السودانية. تتفاقم الأوضاع الإنسانية مع استمرار الحرب في السودان وتأثيرها على المدنيين والبنية التحتية.
شهد العام 2024 تحولات جوهرية في خريطة السيطرة الميدانية، حيث انتقل النزاع من الاشتباكات المتقطعة إلى مرحلة من الترسّيخ الإقليمي، مما أدى إلى واقع إداري وجغرافي جديد. وقد خلقت التفاعلات العسكرية كتلتين رئيسيتين، إحداهما تسيطر على مناطق الشرق والوسط والشمال، والأخرى تنتشر في إقليم دارفور وأجزاء من ولايات كردفان.
تطورات عسكرية وتحولات في ميزان القوى خلال العام
تمكن الجيش السوداني خلال الأشهر الماضية من استعادة السيطرة على مناطق استراتيجية، بما في ذلك مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة في يناير 2024، بعد أكثر من عام على دخول قوات الدعم السريع إليها. كما نجح في طرد قوات الدعم السريع من معظم مناطق ولاية الخرطوم، بما في ذلك المواقع العسكرية والسيادية الهامة.
ومع ذلك، حققت قوات الدعم السريع مكاسب كبيرة في إقليم دارفور، حيث سيطرت على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في أكتوبر 2024، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية هناك. كما تمكنت من التوسع في ولاية غرب كردفان، مما يهدد الاستقرار في المنطقة. وقد أدت هذه التطورات إلى تغيير ميزان القوى في السودان، مع تصاعد الاتهامات بالتدخل الخارجي في الصراع.
تصاعد التدخلات الخارجية وتأثيرها على الصراع
تصاعدت الاتهامات بالتدخل الخارجي المباشر في الحرب الأهلية السودانية، مما دفع قوى دولية وإقليمية إلى وصف ما يجري بأنه صراع بالوكالة. وتشير التقارير إلى دخول أسلحة متطورة وأعداد كبيرة من المرتزقة الأجانب إلى البلاد، مما يزيد من تعقيد الوضع ويهدد الاستقرار الإقليمي. وتشمل المخاوف الأمنية تأثير الصراع على البحر الأحمر والقرن الأفريقي وساحله.
استخدام الطائرات المسيرة وتأثيرها على مسار المعارك
شهدت العمليات العسكرية خلال العام 2024 زيادة ملحوظة في استخدام الطائرات المسيرة من قبل الطرفين المتناحرين. وقد استخدمت قوات الدعم السريع الطائرات المسيرة بشكل فعال في هجماتها على مواقع الجيش السوداني، مما منحها تفوقًا جويًا في بعض المناطق. في المقابل، رد الجيش السوداني بزيادة استخدام الطائرات المسيرة في استهداف خطوط إمداد قوات الدعم السريع ومواقعها في دارفور وكردفان.
وتشير التحليلات العسكرية إلى أن الحصول على الطائرات المسيرة والقدرة على تشغيلها وصيانتها قد أصبحت عاملاً حاسماً في تحديد مسار المعارك. وقد أدى ذلك إلى سباق تسلح بين الطرفين، مع سعي كل منهما إلى الحصول على أحدث التقنيات العسكرية.
الوضع الإنساني المتردي وتأثيره على المدنيين
تدهور الوضع الإنساني في السودان بشكل كبير خلال العام 2024، مع تزايد أعداد النازحين واللاجئين والمعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي. وبحسب أحدث بيانات الأمم المتحدة، يواجه ما لا يقل عن 21.2 مليون شخص مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينما نزح 9.5 ملايين شخص داخليًا، وفرّ ما يزيد عن 4 ملايين و35 ألف شخص إلى خارج البلاد. كما حُرم نحو 10 ملايين طفل من التعليم، بسبب تدمير المدارس أو احتلالها أو تحولها إلى مناطق غير آمنة.
وتواجه المنظمات الإنسانية صعوبات كبيرة في الوصول إلى المحتاجين، بسبب استمرار القتال والقيود التي تفرضها القوات المتناحرة. وتدعو الأمم المتحدة إلى وقف فوري لإطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق المتضررة.
المبادرات السياسية والجهود المبذولة لتحقيق السلام
تجددت الجهود السياسية الرامية إلى تحقيق السلام في السودان في نهاية العام 2024، مع إطلاق مبادرة جديدة من قبل المجموعة الرباعية (الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات). وتدعو المبادرة إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها عملية انتقالية شاملة تهدف إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.
وقد أعلنت قوات الدعم السريع موافقتها على المبادرة، في حين لم يصدر رد رسمي من الجيش السوداني حتى الآن. وتعتمد فرص نجاح المبادرة على استعداد الطرفين للالتزام بوقف إطلاق النار والانخراط في حوار جاد حول مستقبل السودان.
من المتوقع أن تشهد الأشهر الأولى من العام 2025 استمرارًا للجهود الدبلوماسية والسياسية الرامية إلى تحقيق السلام في السودان. وستركز هذه الجهود على إقناع الطرفين المتناحرين بالعودة إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق سياسي شامل ينهي الصراع ويؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار والتنمية. ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من العقبات والتحديات التي تعترض طريق السلام، بما في ذلك الانقسامات العميقة بين الطرفين وتدخل القوى الخارجية.













