كشف تقرير حديث عن دور أمريكي متزايد في دعم البناء الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، ليس فقط من خلال الدعم الحكومي المعلن لإسرائيل، بل أيضًا عبر تبرعات كبيرة من جهات غير حكومية أمريكية. يثير هذا الأمر تساؤلات حول الشفافية ومصادر تمويل هذه المنظمات، وتأثيرها على مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وعلى فرص تحقيق سلام دائم في المنطقة. وتشير التقديرات إلى أن ملايين الدولارات تتدفق سنوياً من الولايات المتحدة لدعم هذه المستوطنات، مما يعيق أي حل سياسي عادل.
وتكمن الصعوبة في تحديد الجهات والشخصيات الأمريكية الرئيسية التي تقف وراء هذه التبرعات، حيث غالبًا ما تتم هذه التحويلات المالية من خلال شبكة معقدة من المنظمات غير الربحية. معظم جمعيات الاستيطان الإسرائيلية لا تفصح عن ميزانياتها أو مصادر تمويلها الخارجية، لكن التقارير الإعلامية الإسرائيلية تشير إلى أن غالبية التمويل يأتي من اليهود الأمريكيين.
الصندوق المركزي الإسرائيلي ودوره في الاستيطان
يبرز “الصندوق المركزي الإسرائيلي” كأحد أبرز هذه المنظمات الأمريكية الممولة للاستيطان. تأسس الصندوق في عام 1979 في حي مانهاتن بمدينة نيويورك على يد الزوجين هداسا وآرثر ماركوس، كشركة نسيج منظمة غير ربحية. يتولى حاليًا ابنهما غاي رئاسة الصندوق، بينما يشغل شقيقه إيتمار منصب نائب الرئيس.
يدير غاي الصندوق من مكتبه في مانهاتن أو منزله في مستوطنة إفرات بالضفة الغربية المحتلة، وينقل سنويًا ملايين الدولارات إلى إسرائيل لتمويل البناء الاستيطاني، وفقًا لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية. يدعي الصندوق أنه يقدم تبرعات ومساعدات للأعمال الخيرية في إسرائيل، ويضمن وصول كامل أموال المتبرعين الأمريكيين دون خصومات أو إجراءات بيروقراطية.
سرية التمويل وأهدافه
يتميز الصندوق المركزي الإسرائيلي بسياسة سرية صارمة فيما يتعلق بمصادر تمويله، حيث يرفض رئيسه غاي الإدلاء بتصريحات حول هذا الموضوع. يتفاخر الصندوق بأنه ملتزم ببناء مجتمع إسرائيلي قوي وحيوي من خلال التبرعات الخيرية المباشرة، ويؤكد أن الدعم المالي يجب أن يستمر من أجل شعب إسرائيل.
وتشمل المستوطنات الإسرائيلية التي يتلقى دعمًا من الصندوق: غوش عتصيون، إفرات، إيتمار، بيت إيل، وكريات أربع. بالإضافة إلى دعم البناء الاستيطاني، يقدم الصندوق تمويلًا لمدرسة “يوسف ما يزال حيا” في مستوطنة يتسهار، ولمنظمة “إم ترتسو” التي تدعو إلى استبعاد العرب من الجامعات الإسرائيلية.
مبالغ التمويل والجهات المستفيدة
تشير التقارير إلى أن الصندوق المركزي الإسرائيلي نقل حوالي 95 مليون دولار إلى جمعيات ومنظمات في إسرائيل في عام 2024 وحده. في عام 2023، تلقت 375 منظمة أكثر من 5 آلاف دولار لكل منها، بينما تلقت 130 منظمة أقل من هذا المبلغ. وتشمل هذه المنظمات تلك التي تدعم التعليم الديني اليهودي المتطرف، وتقدم المساعدة لعائلات المستوطنين المتورطين في جرائم ضد الفلسطينيين.
وفي عام 2010، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الصندوق أرسل 13 مليون دولار لأكثر من 250 جمعية ومنظمة في إسرائيل. كما أفادت صحيفة “ذا ماركر” الإسرائيلية في عام 2025 أن الصندوق يحول 100 مليون دولار سنويًا تبرعات إلى منظمات يمينية في إسرائيل. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 100 مليون دولار من التبرعات الأمريكية وصلت إلى إسرائيل خلال العقد الماضي.
تداعيات الاستيطان على العملية السلمية
يأتي هذا الدعم المالي في وقت تشهد فيه الأراضي الفلسطينية المحتلة توسعًا استيطانيًا ملحوظًا، بالتزامن مع الحرب في قطاع غزة. تعتبر الأمم المتحدة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وتدعو إلى وقفه منذ عقود. ومع ذلك، تواصل إسرائيل بناء المستوطنات وتوسيعها، مما يعيق أي حل سياسي عادل للصراع.
إن ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، وهو هدف تسعى إليه بعض الجهات المتطرفة، سيقضي على إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ويؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والسياسية في المنطقة. من المتوقع أن تستمر إسرائيل في التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، ما لم تواجه ضغوطًا دولية حقيقية لوقف هذه الممارسات غير القانونية. وستظل هذه القضية نقطة خلاف رئيسية في أي مفاوضات مستقبلية، وتتطلب حلًا عادلاً ودائمًا يضمن حقوق الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
في المستقبل القريب، من المرجح أن تستمر الولايات المتحدة في لعب دور محوري في هذا الملف، سواء من خلال الدعم الحكومي المباشر لإسرائيل، أو من خلال السماح باستمرار تدفق التبرعات من المنظمات غير الحكومية. سيكون من المهم مراقبة التطورات على الأرض، والتحركات الدبلوماسية الدولية، لتقييم مدى تأثير هذه العوامل على مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.













