كشف تحليل معمق للعينات القمرية التي جمعتها مهمة “تشانغ آه-6” الصينية عن وجود جزيئات من غبار نيزكي يحمل الماء، وهو اكتشاف مهم في دراسة تاريخ النظام الشمسي وتكوين القمر. هذه الشظايا النادرة، التي يعتقد أنها من نوع الكوندريت الكربوني “إيفونا”، تقدم رؤى فريدة حول المواد التي ساهمت في تشكيل أجرامنا السماوية. ويعتبر هذا الاكتشاف خطوة مهمة في فهم أصل الماء على القمر، وربما على الأرض أيضاً.
أجرت الدراسة، التي نشرت مؤخراً في مجلة “بي إن إيه إس” (PNAS)، فحصًا دقيقًا للعناصر المجمعة من الجانب البعيد للقمر. وتوصل الباحثون إلى أن هذه الشظايا النيزكية، على الرغم من صغر حجمها، تحمل بصمات كيميائية مميزة تُشير إلى أصلها من الكويكبات الغنية بالماء. وهذا الاكتشاف يثير اهتماماً كبيراً في مجال أبحاث القمر.
الكوندريتات الكربونية والبحث عن الماء على القمر
الكوندريتات الكربونية هي نوع نادر من النيازك يتميز بتركيبته الغنية بالماء والمركبات العضوية. تعتبر هذه الصخور بمثابة كبسولات زمنية، حيث تحتفظ بمعلومات حول الظروف التي كانت سائدة في المراحل الأولى من تكوين النظام الشمسي. ونظراً لبنيتها الهشة، نادرًا ما تصمد هذه الكوندريتات عند مرورها عبر الغلاف الجوي للأرض.
ومع ذلك، فإن سطح القمر، الذي يفتقر إلى الغلاف الجوي، يوفر بيئة مثالية لحفظ هذه المواد النادرة. وقد أظهرت الدراسة أن حوض أبولو، وهو منطقة واسعة على الجانب البعيد من القمر، احتفظ بآثار من هذه الكوندريتات الكربونية على مدى مليارات السنين. هذا الأمر يفتح الباب أمام دراسة تفصيلية لهذه المواد في المستقبل.
تحليل العينات وتأكيد الأصل النيزكي
استخدم فريق البحث، بقيادة جينتوان وانغ وزيمينغ تشين من الأكاديمية الصينية للعلوم، تقنيات تحليل متطورة لتحديد التركيب الكيميائي والنظائري للشظايا التي تم جمعها. وقد ركزوا بشكل خاص على معدن الزبرجد (الأوليفين)، وهو معدن شائع في النيازك والصخور البركانية.
وكشفت التحاليل عن وجود اختلافات كبيرة في التركيب النظائري بين الشظايا القمرية والصخور النيزكية، مما يؤكد أصلها خارج الأرض. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة أن هذه الشظايا تشبه إلى حد كبير الكوندريتات الكربونية من نوع “إيفونا”، والتي تعتبر من أندر أنواع النيازك على الأرض.
تتميز الكوندريتات “إيفونا” بوجود نسبة عالية من الماء تصل إلى 20% من وزنها، مُخزّنة في شكل معادن مائية. هذا يجعلها هدفًا رئيسيًا للباحثين الذين يدرسون أصل الماء في النظام الشمسي. اكتشاف هذه المواد على القمر يعزز الفرضية القائلة بأن النيازك لعبت دوراً حاسماً في توصيل الماء إلى كل من الأرض والقمر.
تعد هذه النتائج ذات أهمية خاصة في مجال استكشاف الفضاء، وتضيف إلى فهمنا لتاريخ وتكوين القمر. وقد أثارت هذه الاكتشافات اهتمامًا متزايدًا بمهمة “تشانغ آه-6” وجهود الصين في مجال علوم القمر والأجرام السماوية.
ومع ذلك، يجب التأكيد على أن بقاء الماء في هذه الحالة على سطح القمر أمر غير مرجح على المدى الطويل. فالقمر يتعرض باستمرار للقصف النيزكي والإشعاع الشمسي، مما يؤدي إلى تبخر الماء أو تحلله. لذلك، فإن الحفاظ على هذه العينات في بيئة معملية محمية أمر ضروري لإجراء المزيد من الدراسات التحليلية.
ترجح الآراء العلمية أن الكوندريتات الكربونية قد تكون لعبت دورًا في توفير المواد المتطايرة والماء للأرض والقمر في المراحل الأولى من تكوينهما. وقد أشارت العينات التي جمعتها مهمة “تشانغ آه-6” إلى إمكانية أن تكون هذه الفرضية صحيحة. هذا الاكتشاف يؤكد أهمية مواصلة البحث في أصل النظام الشمسي.
تعد مهمة “تشانغ آه-6” أحدث إنجازات الصين في مجال استكشاف الفضاء، وتأتي في إطار برنامج طموح يهدف إلى إنشاء محطة بحثية على سطح القمر. وقد نجحت المهمة في جمع عينات من الجانب البعيد من القمر، وهو إنجاز لم يتحقق من قبل لأي دولة أخرى. وتؤكد هذه المهمة على الدور المتزايد للصين في أبحاث الفضاء.
من المتوقع أن تعود العينات القمرية التي جمعتها “تشانغ آه-6” إلى الأرض في وقت لاحق من هذا العام، حيث سيتم تحليلها بشكل تفصيلي في مختبرات متخصصة. وسيوفر هذا المزيد من الأدلة حول أصل القمر وتطور النظام الشمسي. وتعتبر هذه العينات بمثابة كنز علمي سيساهم في توسيع معرفتنا بالفضاء.
سيتعين على الباحثين الآن إجراء المزيد من التحاليل على العينات لتحديد كمية الماء الموجودة في الكوندريتات الكربونية ودراسة تركيبها العضوي. كما ستكون هناك حاجة إلى تطوير نماذج حاسوبية جديدة لفهم العمليات التي أدت إلى تكوين هذه الصخور ونقلها إلى القمر. وتعد هذه مجرد بداية لمجموعة جديدة من الاكتشافات العلمية.













