أظهرت دراسة حديثة وجود مستويات مرتفعة من مادة “بي إف إيه إس” (PFAS)، أو ما يُعرف بـ “المواد الكيميائية الأبدية” بسبب بقائها لفترة طويلة في البيئة، في منتجات الحبوب التي يتم استهلاكها بشكل يومي في جميع أنحاء أوروبا. هذه المواد الكيميائية، المرتبطة بتأثيرات صحية سلبية على الأعضاء ووظائف التكاثر، تثير قلقًا متزايدًا بشأن سلامة الغذاء.
أجرت منظمة شبكة مكافحة المبيدات في أوروبا (PAN Europe) هذه الدراسة، التي تعد الأولى من نوعها، وشملت تحليل 66 منتجًا غذائيًا يعتمد على الحبوب، تم شراؤها من 16 دولة أوروبية. النتائج كشفت عن أن متوسط تركيزات “حمض ثلاثي فلورو الأسيتيك” (TFA)، وهو ناتج تحلل “بي إف إيه إس”، كان أعلى بمقدار 107 مرة من المستويات الموجودة في مياه الشرب.
المخاطر الصحية المرتبطة بـ “بي إف إيه إس” في الغذاء
وفقًا لأنجيليكي ليسيماخو، رئيسة قسم العلوم والسياسات في شبكة مكافحة المبيدات في أوروبا، فإن مستويات حمض ثلاثي فلورو الأسيتيك تجاوزت الحدود الآمنة المقترحة لبقايا المواد السامة للتكاثر أو المواد المسببة لاضطرابات هرمونية في 81.8% من العينات التي تم فحصها. هذا يشير إلى وجود خطر محتمل على الصحة العامة، خاصةً بالنسبة للفئات الأكثر عرضة للخطر.
شملت المنتجات التي تم تحليلها حبوب الإفطار، والحلويات، والمعكرونة، والكرواسون، والخبز والدقيق. تم إجراء التحاليل في معهد الدكتور فاغنر في النمسا، مما يضمن دقة وموثوقية النتائج.
توزيع التلوث في أوروبا
أظهرت الدراسة أن ثلاثة من بين أكثر خمسة منتجات ملوثة كانت تُباع في أيرلندا. بالإضافة إلى ذلك، ضمت قائمة “أكثر 10 منتجات ملوثة” مجموعة متنوعة من المنتجات المصنعة من الحبوب المباعة في دول أوروبية مختلفة، مما يشير إلى أن المشكلة ليست محصورة في منطقة جغرافية معينة.
أشارت شبكة مكافحة المبيدات في أوروبا إلى أن مصدر الدقيق المستخدم في غالبية هذه المنتجات غير معروف، حيث لا تلتزم شركات الأغذية الصناعية عادةً بذكر مصدره على العبوات. هذا النقص في الشفافية في سلاسل إنتاج وتوريد الغذاء يعيق تتبع مصدر التلوث واتخاذ الإجراءات التصحيحية المناسبة.
تقرير المنظمة الصادر في الرابع من ديسمبر/كانون الأول أكد غياب الرقابة الرسمية على مستويات حمض ثلاثي فلورو الأسيتيك في الأغذية، مما يجعل هذه الدراسة الأولى من نوعها على مستوى الاتحاد الأوروبي. وقد رصدت الشبكة سابقًا وجود هذه المواد الكيميائية في مياه الصنبور، مما يؤكد انتشارها في البيئة.
دعوات للحد من استخدام “بي إف إيه إس”
شددت سالومي روي، من شبكة مكافحة المبيدات في أوروبا، على الحاجة الملحة إلى فرض حظر فوري على مبيدات “بي إف إيه إس” لوقف انتشار التلوث في السلسلة الغذائية. هذا الحظر، بحسب المنظمة، سيساعد في حماية صحة المستهلكين والحد من المخاطر البيئية.
تزامنت هذه التحذيرات مع نتائج دراسة نشرتها جمعية الطب الأميركية في الخامس من ديسمبر/كانون الأول، حيث حذرت الأبحاث التي قادتها كلية الطب بجامعة هارفارد من مخاطر المواد “الأبدية”. وجاء في نتائج الدراسة أن التعرض لأنواع منفردة أو مختلطة من “بي إف إيه إس” مرتبط بزيادة احتمالات اضطرابات الغدد الصماء لدى النساء.
تُعد هذه النتائج بمثابة جرس إنذار للمسؤولين وصناع السياسات في جميع أنحاء العالم، وتدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من استخدام هذه المواد الكيميائية وتقليل تعرض السكان لها.
من المتوقع أن تواصل شبكة مكافحة المبيدات في أوروبا جهودها لرصد مستويات “بي إف إيه إس” في الغذاء والبيئة، وتقديم توصيات لصناع القرار. كما من المرجح أن تشهد الأشهر القادمة نقاشات مكثفة حول الحاجة إلى تنظيم أكثر صرامة لهذه المواد الكيميائية، وتحديد حدود آمنة للتعرض لها. ستكون متابعة التطورات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أمرًا بالغ الأهمية في تحديد مستقبل استخدام “بي إف إيه إس” وتأثيرها على صحة الإنسان والبيئة.












