كشفت دراسة جينية حديثة عن أدلة قوية تؤكد أن الكلاب لم تظهر بجانب البشر عن طريق الصدفة، بل رافقتهم عبر آلاف الكيلومترات وعبر آلاف السنين، من سهول سيبيريا المتجمدة إلى الممرات الجبلية في الصين وشعوب السهوب الكبرى في آسيا الوسطى. تُظهر الدراسة أن الكلاب كانت جزءًا أساسيًا من تحركات البشر وثقافاتهم لأكثر من 10 آلاف عام، مما يغير فهمنا لتاريخ العلاقة بين الإنسان والحيوان الأليف.
نُشرت الدراسة، التي أجريت على جينات 73 كلبًا قديمًا (بما في ذلك 17 كلبًا تم تحليل حمضها النووي لأول مرة)، في مجلة “ساينس” بتاريخ 13 نوفمبر/تشرين الأول. قام الباحثون بمقارنة هذه الجينات مع حمض نووي بشري قديم من نفس المناطق لتتبع أنماط انتشار الكلاب وكيف تغير أصلها الجيني بالتزامن مع تحركات البشر.
رحلة مشتركة: تاريخ الكلاب وتطورها الجيني
يقول شاو-جي تشانغ، المؤلف المشارك في الدراسة وأستاذ علم الحيوان في الأكاديمية الصينية للعلوم في بكين، إن النتائج تشير إلى أن الكلاب لم تكن مجرد حيوانات مرافقة، بل كانت جزءًا من “الحزمة الثقافية” التي حملها البشر معهم. سواء كانوا صيادين وجامعين، أو مزارعين، أو رعاة رحل، كانت الكلاب جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان.
أظهر التحليل الجيني لكلب عمره حوالي 9700 سنة من كهف خاتستير في سيبيريا ارتباطًا جينيًا بكلب آخر من جزيرة زخوخوف في أقصى الشمال، على الرغم من المسافة الشاسعة بينهما. هذا يشير إلى أن البشر في هاتين المنطقتين ينحدرون من نفس المجموعة البشرية القديمة، وأن الكلاب انتشرت معهم عبر سيبيريا في بدايات العصر الهولوسيني.
أصول الكلاب في سيبيريا وآسيا الوسطى
تشير الدراسة إلى أن الكلاب القديمة لعبت دورًا هامًا في التفاعلات البشرية المبكرة. ففي ممر “هشي” شمال غرب الصين، وهو طريق تاريخي ضمن طريق الحرير، عثر على كلاب تعود إلى 4 آلاف سنة مضت تحمل جينات وراثية غربية واضحة، مما يتوافق مع الهجرات المعروفة لرعاة السهوب القادمين من غرب أوراسيا.
وفي موقع “بوتاي” في كازاخستان، وهو من أوائل أماكن ترويض الخيل، تحمل الكلاب خليطًا وراثيًا يجمع بين أصول قطبية وأخرى غربية. هذا يشير إلى أن تبادل الكلاب بين المجموعات البشرية كان يحدث بشكل مستقل عن اختلاط البشر أنفسهم في بعض الأحيان.
تأثير الهجرات البشرية على التنوع الجيني للكلاب
مع حلول العصر البرونزي المتأخر، أصبحت الكلاب في السهوب الأوراسية تحمل جينات غربية بنسبة عالية، وانتشرت هذه السلالات لاحقًا شرقا نحو الصين ومنغوليا. يُظهر هذا كيف أن الهجرات البشرية الكبرى أثرت بشكل كبير على التنوع الجيني للكلاب.
ومع ذلك، تشير الدراسة إلى أن العلاقة بين البشر والكلاب لم تكن دائمًا متطابقة. فبعض مجموعات الصيادين-الجامعين امتلكت كلابًا تختلف أصولها الجينية عن أصولهم، مما يدل على أن الكلاب كانت تتبادل وتنتقل بين المجتمعات المختلفة، حتى في غياب اختلاط بشري واسع.
الآثار المترتبة على فهم تاريخ الكلاب
تُقدم هذه الدراسة رؤى جديدة حول تاريخ الكلاب وتطورها، وتسلط الضوء على الدور الذي لعبته في حياة البشر القدماء. كما تؤكد على أهمية دراسة الحمض النووي القديم لفهم العلاقات المعقدة بين البشر والحيوانات.
تُظهر النتائج أن الكلاب لم تكن مجرد حيوانات أليفة، بل كانت جزءًا لا يتجزأ من الثقافة والمجتمع البشريين. إن فهم تاريخ الكلاب يمكن أن يساعدنا في فهم تاريخ البشر أنفسهم بشكل أفضل.
تُشير الأبحاث المستقبلية إلى ضرورة إجراء المزيد من الدراسات على الحمض النووي القديم للكلاب والبشر من مناطق مختلفة حول العالم. من المتوقع أن يتم نشر المزيد من النتائج في غضون العامين المقبلين، مما قد يوفر فهمًا أعمق لتاريخ العلاقة بين الإنسان والكلب. يبقى تحديد التوقيت الدقيق لأولى مراحل الترويض وتحديد السلالات الأصلية للكلاب تحديًا مستمرًا للباحثين.













