اشتهر مشروب “الحلو مر” في السودان كجزء أساسي من تقاليد شهر رمضان لقرون طويلة، لكن دراسة حديثة بقيادة باحث سوداني أعادت تقييم هذا المشروب، وكشفت عن إمكاناته كحل غذائي مهم في أوقات الأزمات والحروب وانعدام الأمن الغذائي. تتناول الدراسة القيمة الغذائية العالية لـ “الحلو مر” وقدرته على المساهمة في تعزيز الأمن الغذائي، خاصةً مع تزايد التحديات التي تواجه المنطقة.
يُصنع هذا المشروب التقليدي في الغالب من الذرة الرفيعة في مناطق واسعة من السودان، بينما يتميز غرب البلاد، وتحديداً إقليمي دارفور وكردفان، بصناعته من الدخن اللؤلؤي. يتميز الدخن بقدرته الفائقة على تحمل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، مما يجعله خياراً مثالياً لإنتاج “الحلو مر” في الظروف الصعبة.
أهمية “الحلو مر” في ظل الأزمات
تأتي أهمية هذه الدراسة في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يمر بها السودان، حيث تسببت الحرب المستمرة في تعطيل سلاسل الإمداد الغذائي وزيادة معدلات الجوع وسوء التغذية. يوضح الدكتور طلال سيد عبد الحليم، الباحث الرئيسي في الدراسة، أن “الحلو مر” يمكن أن يكون مصدراً حيوياً للتغذية في هذه الظروف، نظراً لسهولة زراعته وقيمته الغذائية العالية.
يتم تحضير “الحلو مر” عبر عدة خطوات تشمل غسل ونقع حبوب الدخن لبدء عملية الإنبات أو التخمير الأولي، وهي خطوة تزيد من محتواه من العناصر الغذائية والمركبات النشطة. بعد ذلك، يتم تجفيف وطحن الحبوب لتحويلها إلى دقيق يخلط بالأعشاب والتوابل العطرية مثل القرفة والزنجبيل والقرنفل.
عملية التخمير وأسرار الطعم
تخضع عجينة الدقيق لعملية تخمير ثانية تمنحها الطعم المميز الذي يعرفه السودانيون. يتم خبزها بعد ذلك على الصاج لتنتج رقائقًا تحفظ للاستخدام لاحقًا. تتمثل طريقة التحضير في نقع الرقائق في الماء ثم إضافة السكر أو التوابل، حسب الرغبة.
ويعود اسم “الحلو مر” إلى التوازن الفريد بين حلاوة السكر أو التمر والمرارة الناتجة عن التخمير والتوابل. وتشير الدراسات إلى أن عملية الإنبات والتخمير تساهم في زيادة محتوى المركبات الحيوية وتقليل المواد التي قد تعيق امتصاص العناصر الغذائية.
تُظهر التحاليل الكيميائية اختلافات في التركيبة الغذائية بين أنواع الدخن المختلفة المستخدمة في صناعة “الحلو مر”. فصنف دمبي الأصفر يتميز بمحتواه العالي من حمض غاما أمينوبوتيريك، الذي يلعب دوراً مهماً في تهدئة الجهاز العصبي. بينما يحتوي صنف دمبي الأحمر على نسبة أكبر من المركبات الفينولية والكاروتينات، وهي مضادات أكسدة قوية.
نتائج الدراسة والتطبيقات العملية
وكشفت نتائج الدراسة عن زيادة كبيرة في مستويات الفلافونويدات والمركبات الفينولية والكاروتينات والتانينات خلال مراحل التحضير المختلفة. يؤكد الدكتور عبد الحليم على أن هذه النتائج تدعم فكرة استخدام “الحلو مر” كجزء من استراتيجية الأمن الغذائي في السودان، خاصةً في المناطق التي تعاني من الجفاف أو النزاعات.
تؤدي زراعة الدخن اللؤلؤي في الأراضي الهامشية إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن توفر زراعة الدخن فرص عمل للمجتمعات المحلية، مما يساهم في التنمية الاقتصادية.
تشمل التحديات المحتملة ضمان جودة عملية التخمير وتوحيدها للحفاظ على القيمة الغذائية للمنتج. يمكن التغلب على هذا التحدي من خلال استخدام مزارع من البكتيريا أو الخمائر المُجهزة علمياً. هناك حاجة أيضاً إلى تطوير طرق تخزين فعالة للحفاظ على جودة الرقائق لفترات طويلة.
من المتوقع أن تبدأ المرحلة التالية من المشروع بتنفيذ برنامج تجريبي صغير لإنتاج “الحلو مر” في المجتمعات السودانية الأكثر تضرراً من الأزمة. يهدف البرنامج إلى تقييم القبول المجتمعي وتأثير المشروب على الحالة الغذائية للمشاركين. كما سيتضمن البحث مقارنة بين طرق التحضير المختلفة لتحديد الطريقة الأمثل للحفاظ على المركبات الحيوية في المنتج النهائي. ومن الأمور التي يجب متابعتها، الجهود المبذولة لدمج إنتاج “الحلو مر” مع نظم البذور المحلية لضمان استدامة الزراعة.













