بعد سنوات من الجدل السياسي والأمني، دخلت مستقبل تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة مرحلة حاسمة مع توقيع اتفاقيات ملزمة لإنشاء مشروع مشترك جديد يتولى إدارة عمليات التطبيق داخل السوق الأمريكية. تهدف هذه الخطوة إلى معالجة المخاوف المتعلقة بالأمن القومي التي أثارتها الحكومة الأمريكية، مع الحفاظ على استمرار عمل التطبيق الذي يحظى بشعبية واسعة بين ملايين المستخدمين.
يمثل هذا التطور محاولة لتجاوز الخلافات بين واشنطن وبكين، والتي هدّدت بحظر تيك توك، وهو أحد أكثر التطبيقات انتشارًا في الولايات المتحدة. تأتي الاتفاقية بعد تهديدات متكررة من مسؤولين أمريكيين بشأن جمع البيانات المحتملة من قبل الحكومة الصينية، والرقابة على المحتوى.
مستقبل تيك توك في الولايات المتحدة: مشروع مشترك جديد
أعلنت شركة بايت دانس، المالكة لتطبيق تيك توك، عن توقيع اتفاقيات مع ثلاثة مستثمرين رئيسيين لتأسيس مشروع مشترك جديد. يهدف هذا المشروع إلى إدارة عمليات تيك توك في الولايات المتحدة بشكل مستقل، مع التركيز على حماية بيانات المستخدمين الأمريكيين وضمان الشفافية.
ويشمل المستثمرون أوراكل وسيلفر ليك وإم جي إكس، والذين سيملكون حصة أغلبية تبلغ 80.1% في الكيان الجديد. ستحتفظ بايت دانس بحصة 19.9%، مما يشير إلى استمرار ارتباطها بالتطبيق، وإن كان بدرجة أقل. من المتوقع أن يتم إتمام الصفقة بحلول 22 يناير 2026.
التفاصيل الرئيسية للاتفاقية
تتضمن الاتفاقية إنشاء مجلس إدارة للشركة الجديدة بأغلبية أمريكية، وسيكون مسؤولاً عن الإشراف على جميع جوانب العمليات في الولايات المتحدة. كما ستتولى الشركة الجديدة مسؤولية إدارة بيانات المستخدمين، ومراقبة المحتوى، وتنفيذ سياسات الأمن السيبراني.
وبحسب ما ورد، ستقوم بايت دانس بترخيص تقنيتها وخوارزمياتها للشركة الجديدة، مما يسمح لها بالاستمرار في تقديم تجربة تيك توك المألوفة للمستخدمين الأمريكيين. ومع ذلك، سيتم تدريب الخوارزميات الجديدة على بيانات أمريكية مؤمنة، بهدف معالجة المخاوف المتعلقة بالتحيز أو التلاعب المحتمل.
الأبعاد السياسية والاقتصادية
لا تقتصر أهمية هذه الصفقة على الجوانب الاقتصادية، بل تمتد لتشمل الأبعاد السياسية والاستراتيجية. تعتبر الولايات المتحدة هذه الخطوة اختبارًا لقدرتها على فرض شروطها على شركات التكنولوجيا الأجنبية، مع الحفاظ على جاذبية سوقها الرقمية.
ويأتي هذا في وقت أصبح فيه تيك توك جزءًا لا يتجزأ من المشهد الثقافي والاجتماعي في الولايات المتحدة، حيث يستخدمه أكثر من 170 مليون شخص بانتظام. كما أن التطبيق أصبح منصة مهمة للمبدعين والمؤثرين، ومصدرًا رئيسيًا للإعلانات والدخل للعديد من الشركات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الصفقة قد تؤثر على العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتحديدًا في قطاع التكنولوجيا. وتشير بعض التحليلات إلى أن هذه الخطوة قد تكون مقدمة لمزيد من القيود على الشركات الصينية التي تعمل في الولايات المتحدة، أو محاولة لإيجاد حل وسط يتيح استمرار التعاون في المجالات الأخرى.
تحديات مستقبلية
على الرغم من توقيع الاتفاقيات، لا تزال هناك بعض التحديات التي قد تعيق إتمام الصفقة. أحد أهم هذه التحديات هو الحصول على موافقة الجهات التنظيمية الصينية، والتي لم تعلن عن موقفها بعد.
كما أن هناك بعض الانتقادات داخل الولايات المتحدة بشأن مدى كفاية الإجراءات المتخذة لحماية بيانات المستخدمين الأمريكيين. ويرى بعض المشرعين أن استمرار وجود أي دور لبايت دانس قد لا يفي بمتطلبات قانون الأمن القومي.
وتشمل التحديات الأخرى المتعلقة بالصفقة، تقييم قيمة تيك توك، وتحديد هيكل الملكية والسيطرة النهائي، وضمان الامتثال لجميع القوانين واللوائح المعمول بها.
الخطوات التالية والمراقبة
الخطوة التالية الحاسمة هي الحصول على موافقة الجهات التنظيمية الصينية، وهو أمر غير مؤكد في الوقت الحالي. من المتوقع أن تخضع الصفقة لتدقيق مكثف من قبل الحكومة الأمريكية، للتأكد من أنها تلبي جميع متطلبات الأمن القومي وحماية البيانات. سيراقب الخبراء والمحللون عن كثب تطورات هذه الصفقة، وتقييم تأثيرها على مستقبل تيك توك، والعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والمشهد العام لوسائل التواصل الاجتماعي.













