في قلب بيروت، افتُتح معرض “بيروت المرفأ” ليُسلط الضوء على العلاقة التاريخية المعقدة بين المدينة ومرفئها، وكيف تطورت هذه العلاقة عبر مراحل مختلفة بدءًا من الحقبة العثمانية وصولًا إلى كارثة الانفجار عام 2020. يهدف المعرض إلى توثيق تاريخ المرفأ وأهميته في تشكيل هوية بيروت، وتقديم رؤية شاملة لإعادة إعماره وتطويره بما يتماشى مع تاريخ المدينة وثقافتها.
يستعرض المعرض، الذي انطلق في 5 نوفمبر/تشرين الثاني ويتواصل حتى فبراير/شباط المقبل في “بيت بيروت” أو “مبنى بركات”، تاريخ المرفأ منذ عام 1830، مُقدمًا قاعدة بيانات وخريطة زمنية توضح تطوره وأثره على المدينة. يهدف القائمون على المعرض، وهم فريق من المهندسين المعماريين والباحثين والأكاديميين، إلى إحياء النقاش حول مستقبل المرفأ ودوره في نهضة بيروت.
تاريخ المرفأ: من الازدهار العثماني إلى الدمار الحديث
يعود تاريخ أهمية مرفأ بيروت إلى القرار العثماني في القرن التاسع عشر بتحويل المدينة إلى مركز صحي للتجارة القادمة من أوروبا، مما أدى إلى ازدهارها ونموها السكاني والاقتصادي. هذا القرار جعل بيروت نقطة عبور إلزامية للسفن، مما عزز مكانتها كبوابة بين الشرق والغرب.
وقد شهد المرفأ تطورات كبيرة خلال هذه الحقبة، بما في ذلك إنشاء خطوط السكك الحديدية التي ربطت بيروت بدمشق وبقية الأراضي العثمانية، مما سهل حركة البضائع والمسافرين. كما ساهمت هذه التطورات في تعزيز دور بيروت كمركز تجاري وثقافي رئيسي في المنطقة.
أثر الانفجار على المرفأ والمدينة
بعد مرور أكثر من خمس سنوات على انفجار المرفأ المدمر في أغسطس/آب 2020، لا تزال أجزاء كبيرة منه عبارة عن أراضٍ مهجورة ومدمّرة، مما يعكس حجم الكارثة التي حلّت ببيروت. تسبّب الانفجار في خسائر بشرية ومادية هائلة، ولا تزال التحقيقات جارية لتحديد المسؤوليات وكشف ملابسات الحادث.
ووفقًا للتقديرات الرسمية، خلّف الانفجار أكثر من 220 قتيلاً وآلاف الجرحى، بالإضافة إلى أضرار مادية تقدر بمئات الملايين من الدولارات. كما أدى الانفجار إلى تدمير العديد من المباني السكنية والتجارية في بيروت، وتفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
السكك الحديدية كجزء من تاريخ بيروت
لم يقتصر دور الحقبة العثمانية على تطوير المرفأ، بل امتد ليشمل إنشاء شبكة سكك حديدية واسعة ساهمت في ربط بيروت بالمناطق المحيطة بها. وقد تم بناء هذه السكك الحديدية في الأصل لتسهيل حركة الحجاج إلى مكة المكرمة، ولكنها سرعان ما أصبحت وسيلة مهمة لنقل البضائع والمسافرين.
ومع ذلك، تضررت شبكة السكك الحديدية بشكل كبير خلال الحرب الأهلية اللبنانية والحروب الإسرائيلية اللاحقة، مما أدى إلى توقفها عن العمل. إلا أن العديد من المباني والمنشآت العثمانية لا تزال قائمة في بيروت حتى اليوم، لتشهد على تلك الحقبة التاريخية الهامة.
مستقبل المرفأ: تحديات وفرص
يشير المعرض إلى أن إعادة إعمار وتطوير مرفأ بيروت يمثل تحديًا كبيرًا، ولكنه أيضًا فرصة لتحويل المرفأ إلى محرك اقتصادي رئيسي للمدينة. وتقدّر التكلفة الإجمالية لإعادة الإعمار والتطوير ما بين 50 و100 مليون دولار، وهو مبلغ يتطلب جهودًا مشتركة من القطاعين العام والخاص.
وتؤكد منسقات المعرض على أهمية ربط مستقبل المرفأ بتاريخ المدينة وثقافتها، وأن يكون إعادة الإعمار جزءًا من رؤية شاملة لتطوير بيروت كمدينة حديثة ومستدامة. كما يشير المعرض إلى ضرورة معالجة الأسباب التي أدت إلى انفجار عام 2020، لضمان عدم تكرار مثل هذه الكارثة في المستقبل.
من المتوقع أن تستمر الجهود المبذولة لإعادة إعمار مرفأ بيروت خلال الأشهر والسنوات القادمة، مع التركيز على تطوير البنية التحتية وتحسين إجراءات السلامة والأمن. ويعتبر إنجاز هذا المشروع خطوة حاسمة نحو استعادة بيروت لمكانتها كمركز تجاري واقتصادي رئيسي في المنطقة، وتقديم مستقبل أفضل لأهلها. يبقى التمويل وتنفيذ الإصلاحات الأمنية والتشريعية مفتاحًا لتحقيق ذلك، وهي المسائل التي ستشكل محور المتابعة في الفترة القادمة.













