نشرت في •آخر تحديث
أخطأ الرئيس دونالد ترامب عندما ادعى أن الولايات المتحدة هي “الدولة الوحيدة” التي تمنح الجنسية تلقائيا للمولودين على أراضيها. فما هو الوضع في أوروبا؟
أعلن الرئيس دونالد ترامب مؤخرًا أن الولايات المتحدة هي “الدولة الوحيدة في العالم” التي تمنح الجنسية تلقائيًا لكل طفل يولد على أراضيها، بغض النظر عن جنسية والديه، في تصريح أثار الكثير من الجدل. جاءت هذه التصريحات في اليوم الأول لتوليه منصب الرئيس، حيث وقع على مجموعة من الأوامر التنفيذية في المكتب البيضاوي، محاولة منه للوفاء بإحدى وعود حملته الانتخابية.
وقد صرح ترامب قائلاً: “هذا أمر غير منطقي… نحن الدولة الوحيدة في العالم التي تتبع هذا النظام، بما في ذلك حق الميراث، وهو أمر يثير الدهشة”. ولكن، على الرغم من صدى هذه الكلمات، فإن هذا الادعاء لا يتفق مع الواقع. فبعض الدول الأخرى، ومن بينها جيران الولايات المتحدة المباشرين مثل كندا والمكسيك، تتبع مبدأ “حق الأرض” بشكل غير مشروط، ما يجعل تصريحات الرئيس بعيدة عن الحقيقة.
في الواقع، ليس ترامب هو من يلتزم بهذا النهج بشكل حصري. فالعديد من الدول حول العالم، وخصوصًا في الأمريكيتين، تمنح الجنسية تلقائيًا لكل طفل يولد على أراضيها. فعلى سبيل المثال، الأرجنتين والبرازيل وشيلي وبيرو تلتزم بهذه السياسة نفسها. ومن هنا، فإن تصريح ترامب يصبح بعيدًا عن الواقع، حيث لا تقتصر هذه الممارسة على الولايات المتحدة وحدها.
في أوروبا، غالباً ما تعتمد معظم الدول على مبدأ “حق الدم”، الذي يقضي بمنح الجنسية للطفل إذا كان أحد الوالدين أو كلاهما يحملان الجنسية ذاتها.
وفي الواقع، لا توجد دولة ضمن الاتحاد الأوروبي تمنح الجنسية تلقائيًا وبشكل غير مشروط للأطفال المولودين على أراضيها من أبوين أجنبيين، كما أظهرت التقارير الصادرة عن البرلمان الأوروبي.
بينما توجد بعض البلدان التي تطبق نوعًا من “حق مسقط الرأس”، فإنه يأتي مشروطًا، حيث يجب أن يكون الوالدان قد عاشا في البلد لفترة معينة من الوقت قبل ولادة الطفل.
وفي هذا السياق، تطبق بعض الدول الأوروبية أشكالًا محددة من مبدأ “حق الأرض”، ولكنها تضع شروطًا صارمة، مثل وجوب إقامة الوالدين في البلاد لفترة زمنية معينة قبل ولادة الطفل.
من بين هذه الدول التي تطبق هذه الشروط: بلجيكا، ألمانيا، أيرلندا، البرتغال، والمملكة المتحدة.
وتتبع بعض الدول الأوروبية نظام “حق الأرض المزدوج”، حيث يُمكن للأطفال المولودين على أراضيها من أبوين أجنبيين الحصول على الجنسية تلقائيًا، إذا كان أحد الوالدين على الأقل قد وُلد في نفس البلد. تشمل هذه الدول فرنسا ولوكسمبورغ وهولندا والبرتغال وإسبانيا.
أما في بلجيكا واليونان، فإن مبدأ “حق الأرض المزدوج” يُطبَّق أيضًا، لكن مع شروط إضافية تحد من تطبيقه، مما يعكس تنوع السياسات المتعلقة بمنح الجنسية عبر القارة الأوروبية.
في بعض الحالات، يترافق تطبيق مبدأ “حق الأرض” في أوروبا مع شروط محددة، مثل منع ازدواج الجنسية، كما هو الحال في إسبانيا. وفقًا لتقارير البرلمان الأوروبي، يُمكن للأطفال المولودين لوالدين أجنبيين الحصول على الجنسية الإسبانية من خلال “حق الأرض”، ولكن بشرط أن يتنازلوا عن أي جنسية أجنبية أخرى حصلوا عليها عند ولادتهم.
هل من المرجح أن تنجح خطة ترامب؟
أصدر القاضي الأمريكي جون كوجينور، من المحكمة الفيدرالية في المنطقة الغربية بواشنطن، قرارًا بوقف تنفيذ الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترامب بخصوص إعادة تعريف حق المواطنة بالميلاد، واصفًا إياه بأنه “غير دستوري بشكل صارخ”. كما أعلن ترامب عن نيته استئناف هذا القرار، مما يفتح المجال أمام معركة قضائية قد تستمر لفترة طويلة.
يُعتبر “حق المواطنة بالميلاد” مبدأ راسخًا في الولايات المتحدة منذ عقود، حيث يضمن منح الجنسية تلقائيًا لأي شخص يولد على الأراضي الأمريكية، بغض النظر عن الوضع القانوني لوالديه، سواء كانا مقيمين بشكل غير قانوني أو حاملي تأشيرات سياحية أو طلابية. وقد دعا ترامب ومؤيدوه إلى تشديد معايير منح الجنسية، معتبرين أن النظام الحالي يُساء استخدامه، ويشجع على ظاهرة “سياحة الولادة”، حيث تسافر النساء الحوامل إلى الولايات المتحدة خصيصًا من أجل الولادة هناك للحصول على الجنسية الأمريكية لأطفالهن.
من جهة أخرى، يؤكد معارضو هذه الخطة أن “حق المواطنة بالميلاد” مكفول بموجب التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي، الذي ينص على أن “جميع الأشخاص المولودين أو المتجنسين في الولايات المتحدة والخاضعين لولايتها القضائية هم مواطنون أمريكيون”. ويشددون على أن إلغاء هذا الحق ليس فقط أمرًا صعبًا دستوريًا، بل سيؤدي أيضًا إلى تقويض جهود دمج المهاجرين وأطفالهم في المجتمع الأمريكي.
ويُذكر أن تعديل الدستور يتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، بالإضافة إلى تصديق ثلاثة أرباع الولايات، ما يجعل من مهمة إلغاء “حق المواطنة بالميلاد” أمرًا شبه مستحيل عمليًا. وأكد معظم الخبراء القانونيين أن ادعاءات الإدارة الأمريكية بخصوص إمكانية إلغاء هذا الحق غير واقعية.
وكان حكم القاضي كوجينور بمثابة أمر تقييدي مؤقت، يمنع تطبيق الأمر التنفيذي على مستوى البلاد لمدة أسبوعين. وخلال هذه الفترة، سيقدم الطرفان مذكرات قانونية إضافية لدعم مواقفهما، مع تحديد جلسة استماع جديدة في 6 فبراير/شباط للنظر في إصدار أمر قضائي أولي قد يوقف الأمر التنفيذي بشكل دائم أثناء سير القضية. وفي الوقت نفسه، تتواصل الدعاوى القضائية المماثلة التي تطعن في الأمر التنفيذي في ولايات أخرى.