أصدرت مجلة “ترانزيشن” (Transition) الصادرة عن جامعة هارفارد عددًا خاصًا بالكامل عن الأزمة في السودان، مسلطةً الضوء على الوضع الإنساني المأساوي الذي يعاني منه البلاد. يهدف هذا العدد إلى زيادة الوعي العالمي بـالأزمة السودانية، التي تتفاقم باستمرار وتتطلب اهتمامًا دوليًا عاجلًا. ويأتي هذا في وقت يشهد فيه السودان صراعًا داخليًا مدمرًا أدى إلى نزوح الملايين وتهديد الأمن الغذائي.
العدد، الذي أشرفت عليه الأكاديمية السودانية الأمريكية رقية مصطفى أبو شرف، يحمل عنوانًا مؤثرًا: “متى ستتجه كل الأعين إلى السودان؟” وهو صدى لحملة #AllEyesOnSudan التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تطالب بتسليط الضوء على المعاناة الإنسانية في السودان. ويأتي هذا العدد في محاولة لكسر حاجز الصمت الإعلامي الذي يحيط بالصراع.
الأزمة السودانية: حرب منسية وتداعيات إنسانية كارثية
تتجاوز الأزمة السودانية مجرد صراع على السلطة، فهي تتشابك مع قضايا تاريخية واقتصادية وسياسية معقدة. وتشير التحليلات إلى أن التدخلات الخارجية وتنافس القوى الإقليمية قد ساهمت في تأجيج الصراع وتعميقه. وقد أدت الحرب إلى انهيار البنية التحتية وتوقف الخدمات الأساسية، مما فاقم من معاناة المدنيين.
منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، تدهور الوضع الإنساني بشكل حاد. تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 8 ملايين شخص نزحوا من ديارهم، وأن ملايين آخرين يواجهون خطرًا وشيكًا من الجوع والمرض. وتشير التقارير إلى أن قوات الدعم السريع تعمد إلى استهداف المدنيين وتدمير الممتلكات، مما يزيد من حدة الأزمة.
تأثير الصراع على الأمن الغذائي
أصبح الأمن الغذائي في السودان مهددًا بشكل خطير بسبب الصراع. فقد أدت الحرب إلى تعطيل الزراعة وتدمير المحاصيل، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء وارتفاع الأسعار. وتواجه العديد من المناطق خطر المجاعة، خاصة في دارفور وكردفان. وتشير تقديرات برنامج الغذاء العالمي إلى أن أكثر من 20 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدة غذائية عاجلة.
دور المجتمع الدولي
يواجه المجتمع الدولي تحديًا كبيرًا في الاستجابة للأزمة السودانية. فقد أدت القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية إلى إعاقة وصول المساعدات إلى المحتاجين. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى زيادة الضغط الدبلوماسي على الأطراف المتنازعة لوقف القتال والتوصل إلى حل سياسي. وتدعو العديد من المنظمات الدولية إلى فرض عقوبات على المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان.
شهادات من قلب المأساة
يتميز هذا العدد من “ترانزيشن” بتقديمه شهادات مؤثرة من السودانيين الذين يعيشون في قلب المأساة. تتحدث هذه الشهادات عن المعاناة اليومية والخوف والقلق الذي يعيشه المدنيون. كما تسلط الضوء على صمود الشعب السوداني وإصراره على البقاء. وتشمل الشهادات قصصًا عن الأسر التي فقدت منازلها وأحباءها، والفنانين الذين يسعون إلى توثيق الجريمة، والمجتمعات التي تحاول إعادة بناء حياتها.
تكتب أبو شرف في مقدمة العدد أن الشهادات المنشورة “ترفض التجريد الأكاديمي، وتنبثق من التجربة الحية: عائلات تفر من نقاط التفتيش، فنانون يوثقون التعذيب، مجتمعات تواجه تغييرا لا يُفهم”. وتضيف أن السؤال المركزي الذي يطرحه العدد هو: “هل سينجو السودان؟”.
تحليلات سياسية وتاريخية للأزمة
بالإضافة إلى الشهادات، يتضمن العدد تحليلات سياسية وتاريخية معمقة للأزمة السودانية. ويستعرض هؤلاء الباحثون الأسباب الجذرية للصراع، ودور القوى الإقليمية والدولية، والتحديات التي تواجه عملية السلام. وتشير التحليلات إلى أن حل الأزمة السودانية يتطلب معالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى الصراع. كما يؤكدون على أهمية الحوار الشامل والمصالحة الوطنية.
ويقدم العدد مقالات حول استخدام الجوع كسلاح حرب، وتأثير الصراع على النساء والأطفال، ودور الإعلام في تغطية الأزمة. كما يتضمن أعمالًا فنية وأدبية تعبر عن معاناة الشعب السوداني وتطلعاته نحو المستقبل. وتشمل هذه الأعمال قصائد وروايات ولوحات فنية وصور فوتوغرافية.
من المتوقع أن تستمر الأزمة السودانية في التفاقم إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف القتال وتوفير المساعدات الإنسانية. ويجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في حماية المدنيين والسعي إلى حل سياسي مستدام. وستظل الأوضاع في السودان تحت المراقبة الشديدة في الأسابيع والأشهر القادمة، مع التركيز على أي تطورات جديدة في مسار المفاوضات أو الوضع الإنساني.













