تختلف التقديرات بشأن اتجاهات أسعار العقارات في مصر على المدى القصير، بعد جملة التطورات الاقتصادية التي سجلتها البلاد، بداية من توقيع صفقة “رأس الحكمة” وهي أكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر في تاريخ البلاد أسهمت في ضخ سيولة دولارية في الأسواق وبعث رسائل طمأنة للمستثمرين، مروراً بقرار رفع الفائدة المفاجئ وتحرير سعر الصرف.
وفي الوقت الذي شهدت فيه أسعار العقارات ارتفاعات واسعة خلال العام الماضي، وفي ظل وجود أكثر من سعر صرف للدولار الأميركي -قبل تحرير العملة- فإن الفترة الحالية تشكل عنق زجاجة بالنسبة للقطاع، كمرحلة انتقالية يختبر فيها الجميع انعكاسات تلك التطورات على الوضع الاقتصادي العام وعلى الأسعار، لا سيما أسعار مواد البناء.
ومن ثم، يُتوقع على نطاق واسع “استقرار” أسعار العقارات في مصر خلال الفترة المقبلة (على المدى القصير)، بعد تعويم الجنيه، وفق شركة الخدمات العقارية البريطانية سافيلز.
الشركة تتوقع في الوقت نفسه زيادة الإقبال من قبل المستثمرين والمصريين في الخارج على شراء العقارات في ظل تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار الأميركي (..) لا سيما وأن كثيراً المستثمرين كانوا قد أحجموا في وقت سابق عن الاستثمار في البلاد في ظل حالة عدم اليقين بشأن اتجاهات العملة المحلية. وبالتالي فإن تعويم العملة يعني عودة تلك التدفقات الاستثمارية إلى القطاع العقاري وانتعاش الطلب بعد ذلك.
وبالرغم من ذلك، فإن الشركة لا تتوقع مزيداً من الارتفاعات في الأسعار، لا سيما وأن المطورين اعتمدوا على أسعار السوق الموازية في تسعير العقارات في الفترة الأخيرة (والتي كان سعر الدولار قد وصل فيها إلى 70 جنيهاً).
استقرار
وإلى ذلك، أفاد نائب رئيس شعبة الاستثمار العقاري باتحاد الغرف التجارية، رئيس جمعية مطوري القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية، محمد البستاني، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بأن السوق العقارية المصرية ستعود إلى نشاطها من جديد، لكن ليس بنفس القوة التي كانت عليها في فترات سابقة كانت تشهد حالة من الذعر بالنسبة للمواطن الذين لجأوا إلى الاستثمار في العقار كوسيلة للتحوط المالي، وبالتالي زيادة الطلب.
وأضاف البستاني أن القطاع العقاري حالياً بدأ يعود إلى حالة الاتزان والتوازن، مرجعاً السبب في ذلك إلى:
- صفقة رأس الحكمة التي عكست الثقة الكبيرة في الاقتصاد المصري وبالأخص القطاع العقاري.
- الخطوات التي اتخذتها الدولة في عملية الإصلاح الاقتصادي.
وتوقع البستاني استقرار أسعار العقارات خلال العام الجاري 2024 بسبب:
- استقرار أو تراجع أسعار مواد البناء وعلى رأسها الحديد، وهو العنصر الرئيسي في العملية العقارية (..).
- توافر الخامات الأساسية والضرورية، والتي لم تكن متوفرة في الفترة الماضية بالشكل الكافي (بالنظر إلى أزمة الاستيراد)، وبالتالي ستستقر أسعار العقارات إن لم تنخفض.
- استقرار سعر الدولار سيكون له دور مهم في مزيد من انخفاض أسعار هذه الخامات.
- تدفقات دولارية مستمرة في السوق المصرية.
وتوقع البستاني أن تستمر السياسة التحوطية من قبل المطورين حتى تظهر آثار تحرير سعر سعر الصرف وصفقة رأس الحكمة بشكل أوضح، مضيفًا :”خلال شهرين ستتضح الرؤية بشكل أكبر”.
ويُنظر إلى الفترة الراهنة على اعتبار أنها “مرحلة انتقالية” يتحدد بعدها بشكل أوضح اتجاهات أسعار العقارات في مصر، لا سيما مع اتضاح الرؤية بشكل أوضح فيما يخص أداء الاقتصاد المصري وقدرته على الصمود بدعمٍ من التدفقات الدولارية التي تدخل السوق المصرية وتأثيراتها على الأسعار.
وبخلاف صفقة “رأس الحكمة” التي أنعشت الاقتصاد المصري، وشكلت شهادة ثقة فيه، أعلن صندوق النقد الدولي، في بيان، عن حصول مصر على موافقة المجلس التنفيذي للصندوق على زيادة برنامج الدعم المالي الممدد إلى ثمانية مليارات دولار، الأمر الذي يسمح بسحب نحو 820 مليون دولار على الفور.
وفي 18 مارس الماضي، وقعت مصر مع الاتحاد الأوروبي، حزمة تمويل جديدة بقيمة 7.4 مليار يورو (8.06 مليار دولار) على مدى أربعة أعوام، تشمل قروضاً واستثمارات وتعاونا في ملفي الهجرة إلى أوروبا ومكافحة الارهاب.
مستويات مرتفعة
من جانبه، قال رئيس مجلس إدارة شركة مينا لاستشارات التطوير العقاري، المهندس فتح الله فوزي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن تحرير سعر الصرف الذي أقدمت عليه مصر الفترة الماضية يؤثر بالضرورة على أسعار تكلفة مواد البناء، وبالتالي أسعار العقارات، عبر بقاء الأسعار مرتفعة، لكن لن يكون الارتفاع بنفس وتيرة الارتفاع التي شهدتها أسعار العقارات في العام الماضي 2023 (مع أسعار مختلفة في السوق الموازية للدولار حينها).
ويشار إلى أنه بعد أن خفضت مصر قيمة الجنيه ثلاث مرات منذ أوائل العام 2022، قرر المركزي المصري، في 6 مارس الماضي، السماح لسعر صرف الجنيه بالتحرك وفقا لآليات السوق، بعد قرار مفاجئ برفع أسعار الفائدة بصورة كبيرة بـ 6 بالمئة في اليوم نفسه.
وأفاد فوزي بأن أسعار العقارات ارتفعت في العام 2023 بنسبة 100 بالمئة تقريباً، معللًا ذلك بعدد من العوامل، من بينها خفض قيمة العملة، علاوة على ارتفاع أسعار مدخلات العملية العقارية ككل، جنباً إلى جنب ولجوء الشركات إلى التحوط ضد هذا الارتفاع عبر رفع أسعار العقارات.
وتابع: صفقة رأس الحكمة الأخيرة أسهمت في خلخلة هذا الوضع، وساعدت على تحرك السوق العقارية إلى الاستقرار بشكل واضح، وإذا ما أضفنا إلى ذلك صفقات أخرى ستقبل عليها الدولة في الفترة المقبلة فإن الوضع سيتغير كلياً بسوق العقارات.
وتوقع رئيس مجلس إدارة شركة مينا لاستشارات التطوير العقاري، أن تشهد أسعار مواد البناء حالة من التراجع النسبي الفترة المقبلة، لا سيما أن أسعار التكلفة ستكون مبنية على أرقام ثابتة نسبياً وليست توقعات غير سليمة كما كان سابقاً في ظل وجود أكثر من سعر للدولار، موضحًا أن المطور يضع تسعيرة بناء على التكلفة التي يضعها معتمداً على أسعار مواد البناء خلال 3 أو 4 سنوات مدة تنفيذ المشاريع، وبالتالي كلما استقرت أسعار المدخلات في العملية العقارية استقر التسعير.
لكنه أشار إلى عوامل ضاغطة على الأسعار عموماً، إلى جانب مسألة التعويم، ومن بينها ارتفاع أسعار الطاقة، مشدداً على أن المطلب الرئيسي والأهم حالياً من جانب المطورين العقاريين هو ضرورة إعادة جدولة أقساط الأراضي، دعماً للقطاع في ظل الوضع الحالي.