في خطوة مفاجئة أثارت جدلاً واسعاً، قررت السلطات التايوانية حظر تطبيق “شياو هونغ شو” (小红书)، المعروف أيضاً باسم “ريد” (Red)، لمدة عام كامل. يأتي هذا القرار وسط مخاوف متزايدة بشأن الأمن السيبراني وارتفاع معدلات الاحتيال المرتبطة بالمنصة، التي تحظى بشعبية كبيرة بين الشباب التايواني. الحظر الشامل يمثل تطوراً ملحوظاً في العلاقة الرقمية بين تايوان والصين، ويثير تساؤلات حول الدوافع السياسية المحتملة وراءه.
أعلنت وزارة الشؤون الداخلية التايوانية عن الحظر في 8 ديسمبر 2023، مشيرةً إلى أن التطبيق أصبح “منصة عالية الخطورة” بسبب تزايد عمليات الاحتيال. وقد سجلت السلطات أكثر من 1700 حالة احتيال مرتبطة بـ “شياو هونغ شو” خلال العام الماضي، مما دفعها إلى اتخاذ هذا الإجراء. هذا الحظر يثير تساؤلات حول مستقبل حرية الوصول إلى المعلومات والتواصل عبر الإنترنت في تايوان.
مخاوف أمنية أم دوافع سياسية وراء حظر شياو هونغ شو؟
بررت الحكومة التايوانية، التي يقودها الحزب الديمقراطي التقدمي، قرار الحظر بمخاوف تتعلق بالأمن المعلوماتي وحماية المستخدمين من عمليات الاحتيال. ومع ذلك، أثارت هذه الخطوة انتقادات واسعة النطاق، حيث اتهم البعض الحكومة بازدواجية المعايير. فقد أشارت تقارير إلى وجود تطبيقات أخرى تحظى بشعبية مماثلة أو أكبر، وتسجل معدلات احتيال مماثلة أو أعلى، دون أن تتعرض لأي عقوبات.
تصعيد في التوترات الرقمية
يعتبر هذا الحظر بمثابة تصعيد في التوترات الرقمية القائمة بين تايوان والصين. فقد اتهمت وسائل الإعلام الصينية، مثل صحيفة “غلوبال تايمز”، الحكومة التايوانية باستخدام الأمن كذريعة لتقييد وصول الشباب التايواني إلى المحتوى الصيني. وتشير هذه التقارير إلى أن “شياو هونغ شو” أصبح منصة مهمة للتعرف على الثقافة الصينية الحديثة، وأن الحظر يهدف إلى الحد من هذا التأثير.
بالإضافة إلى ذلك، يرى البعض أن الحظر يمثل محاولة من قبل الحزب الديمقراطي التقدمي لتقليص المساحة الرقمية المتاحة للتواصل بين الشباب التايواني ونظرائهم في البر الرئيسي الصيني. هذا الأمر يكتسب أهمية خاصة في ظل الخلافات السياسية المستمرة بين الجانبين. المنصة، التي تعتبر شبكة اجتماعية للتجارة الإلكترونية ومشاركة نمط الحياة، اكتسبت شعبية كبيرة بين الشباب التايواني المهتمين بالموضة والجمال والسفر.
تأثير الحظر على المستخدمين والشركات
من المتوقع أن يؤثر حظر “شياو هونغ شو” بشكل كبير على المستخدمين التايوانيين الذين يعتمدون على المنصة للتواصل ومشاركة المحتوى والتسوق. كما أنه سيؤثر على الشركات التايوانية التي تستخدم المنصة للترويج لمنتجاتها وخدماتها. العديد من المؤثرين التايوانيين على “شياو هونغ شو” يعتمدون على المنصة كمصدر رئيسي للدخل.
في المقابل، قد تستفيد المنصات المحلية التايوانية من حظر “شياو هونغ شو”، حيث من المرجح أن يشهد عدد مستخدميها زيادة. ومع ذلك، يرى المحللون أن هذه المنصات قد تواجه صعوبة في تلبية احتياجات المستخدمين التايوانيين بشكل كامل، خاصة فيما يتعلق بالمحتوى المتعلق بالصين. الاستثمار في البنية التحتية الرقمية المحلية قد يكون ضرورياً لتعويض الفراغ الذي سيتركه حظر التطبيق.
تعتبر قضية الأمن السيبراني والتحكم في المعلومات من القضايا الحساسة في تايوان، خاصة في ظل التهديدات السيبرانية المتزايدة من الصين. وقد اتخذت الحكومة التايوانية خطوات أخرى في الماضي لتعزيز الأمن السيبراني وحماية البنية التحتية الحيوية. ومع ذلك، فإن حظر تطبيق شائع مثل “شياو هونغ شو” يمثل إجراءً غير مسبوق.
الجدير بالذكر أن هذا الحظر يأتي في أعقاب سلسلة من الإجراءات المتخذة من قبل حكومات مختلفة حول العالم لتقييد استخدام تطبيقات صينية، مثل TikTok و WeChat، بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي وخصوصية البيانات. هذه الإجراءات تعكس اتجاهاً عالمياً متزايداً نحو الحذر من النفوذ الرقمي الصيني.
من المتوقع أن تستأنف شركة “شياو هونغ شو” قرار الحظر أمام المحكمة التايوانية. كما أن هناك دعوات من بعض الأطراف إلى إجراء حوار بين الحكومة والشركة لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف. في الوقت الحالي، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الحظر سيتم رفعه أم لا، وما إذا كانت ستكون هناك أي تغييرات في السياسات الرقمية التايوانية.
في الختام، يمثل حظر “شياو هونغ شو” في تايوان تطوراً مهماً في العلاقة الرقمية بين تايوان والصين. من المقرر أن تنتهي مدة الحظر في 8 ديسمبر 2024، وسيعتمد التجديد أو الرفع على تقييم السلطات التايوانية للمخاطر الأمنية وفعالية الإجراءات المتخذة. سيكون من المهم مراقبة رد فعل المستخدمين والشركات، وتطورات القضية القانونية، وأي تغييرات في السياسات الرقمية التايوانية في الأشهر المقبلة.













