تعرضت خطة الإدارة الأمريكية لإنهاء الحرب في أوكرانيا لانتقادات واسعة النطاق، حيث يرى العديد من المراقبين والمحللين أنها تتضمن تنازلات كبيرة لصالح روسيا. وتثير هذه الخطة تساؤلات حول دور شخصية روسية بارزة، كيريل دميترييف، في صياغتها، وكيف تمكن من التأثير على وجهة النظر الأمريكية. وتعتبر خطة أوكرانيا الحالية محور جدل سياسي ودبلوماسي متزايد.
دميترييف مهندس الخطة
برز اسم كيريل دميترييف، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار السيادي الروسي والمبعوث الخاص للرئيس بوتين للاستثمار الأجنبي، بشكل مفاجئ مع الكشف عن تفاصيل الخطة الأمريكية. تشير تقارير إعلامية إلى أن دميترييف لعب دورًا محوريًا في تقديم رؤية موسكو للإدارة الأمريكية، وأن هذه الرؤية أصبحت فيما بعد أساسًا للمقترحات التي قدمتها واشنطن.
وحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية، فقد عبر مسؤولون ومشرعون أمريكيون عن قلقهم من احتمال تورط روسيا في إعداد الخطة، خاصة بعد الكشف عن اجتماعات سرية بين إدارة ترامب ودميترييف، وهو شخص مدرج على القائمة السوداء الأمريكية.
خلفية دميترييف وعلاقاته
يتمتع دميترييف بخلفية فريدة تؤهله للعب دور الوسيط بين روسيا والولايات المتحدة. فقد عاش لفترة طويلة في الولايات المتحدة، وتلقى تعليمه في جامعتي ستانفورد وهارفارد المرموقتين، وعمل في شركتي ماكينزي وغولدمان ساكس. بالإضافة إلى ذلك، فإن زواجه من ابنة مقربة من الرئيس بوتين يمنحه وصولاً خاصًا إلى دائرة صنع القرار في الكرملين.
بدأ دميترييف في بناء علاقات مع فريق ترامب الناشئ في عام 2017، وخاصة مع جاريد كوشنر ومبعوثه الخاص ستيف ويتكوف. ووفقًا لصحيفة “لو باريسيان” الفرنسية، فقد عقد اجتماعات مكثفة معهما في ميامي، حيث قدم رؤية مفصلة لما تعتبره موسكو حلًا مقبولًا للأزمة الأوكرانية.
تفاصيل الخطة المقترحة
تتضمن الخطة الأمريكية، كما كشفت عنها صحيفة وول ستريت جورنال، عدة نقاط رئيسية تتماشى مع المطالب الروسية، بما في ذلك حظر انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتنازل عن إقليم دونباس، وتقليص القوات المسلحة الأوكرانية. هذه الشروط تثير مخاوف بشأن سيادة أوكرانيا وقدرتها على الدفاع عن نفسها.
يرى مراقبون أن دميترييف، الذي يوصف بأنه “تكنوقراطي مالي” و”خبير في المفاوضات خلف الكواليس”، قد نجح في إقناع الإدارة الأمريكية بتقديم تنازلات كبيرة من خلال وعود باستثمارات ضخمة في مشاريع مشتركة، مثل تطوير رواسب المعادن النادرة وإقامة شراكات في مجال الطاقة في القطب الشمالي. كما قدم مقترحات جريئة مثل بناء نفق سكة حديدية تحت مضيق بيرينغ.
دور دميترييف في الدبلوماسية الأمريكية الروسية
على الرغم من العقوبات المفروضة عليه وعلى صندوق الاستثمار السيادي الروسي، تمكن دميترييف من الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع واشنطن. وقد أثار ذلك انتقادات واسعة النطاق، حيث يتهم البعض الإدارة الأمريكية بالتعامل مع شخصية روسية مثيرة للجدل بطريقة تسهل تحقيق أهداف الكرملين.
في المقابل، يرى أنصار هذا النهج أن دميترييف يمثل وسيلة مهمة لفتح حوار مع روسيا وإيجاد حلول للأزمة الأوكرانية. ويشيرون إلى دوره في تأمين إطلاق سراح مواطنين أمريكيين من السجون الروسية كدليل على قدرته على تحقيق نتائج إيجابية.
من الجدير بالذكر أن دميترييف نفسه ينشط على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ينشر مقتطفات من وسائل الإعلام الأمريكية التي تدعم مواقف الكرملين، ويعبر عن إعجابه بجهود البيت الأبيض في إحياء العلاقات الثنائية.
في الوقت الحالي، لا تزال الخطة الأمريكية قيد المناقشة، ومن غير الواضح ما إذا كانت أوكرانيا ستوافق عليها. ومن المتوقع أن تشهد الأيام والأسابيع القادمة مزيدًا من المفاوضات والضغوط الدبلوماسية، مع استمرار التركيز على دور كيريل دميترييف في تشكيل مستقبل العلاقات بين روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة. سيكون من المهم مراقبة رد فعل كييف على هذه المقترحات، وكذلك التطورات في العلاقات بين واشنطن وموسكو، لتحديد ما إذا كانت هذه الخطة ستؤدي إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا أم إلى تعقيد الأوضاع بشكل أكبر.













