بقلم: يورونيوز
نشرت في
اعلان
وجّهت ثلاث منظمات حقوقية دولية ومحلية – “هيومن رايتس ووتش”، و”سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، و”الأرشيف السوري” – اتهاماً صريحاً للحكومة السورية الانتقالية بأنها لم تقدم سوى قدر ضئيل من الشفافية بشأن ما إذا كان تحقيقها في أحداث مارس/آذار 2025 قد تناول دور كبار القادة العسكريين أو المدنيين، أو ما هي الخطوات التي ستتخذها لمحاسبتهم.
وجاء ذلك في تقرير مشترك صدر اليوم، بعنوان “أنت علوي؟”، يوثق بالتفصيل جرائم واسعة النطاق استهدفت مدنيين على أساس هويتهم، وسط تنسيق مركزي من وزارة الدفاع، دون أن يطال التحقيق الرسمي من يقفون خلف التخطيط أو التغاضي عن هذه الانتهاكات.
وقالت المنظمات الثلاث في مستهل التقرير إن الحكومة الانتقالية، رغم وعودها بالمحاسبة، فشلت في الكشف عن مدى تورط كبار القادة العسكريين والمدنيين في الجرائم التي وقعت خلال العمليات الأمنية في محافظات الساحل في مارس/آذار 2025.
وأشارت إلى أن التحقيق الحكومي، الذي قدم ملخصاً في 22 يوليو/تموز، ركز على إحالة مئات المشتبه بهم من الميدان، لكنه تجاهل تماماً المسؤولية المؤسسية والقيادية، رغم وجود أدلة على أن وزارة الدفاع نسقت نشر عشرات الآلاف من المقاتلين، وحددت مناطق عملياتهم، واستمرت في إدارة العمليات حتى بعد انتشار أنباء القتل الجماعي.
هبة زيادين، باحثة أولى في هيومن رايتس ووتش، قالت: “اعتراف الحكومة بالفظائع هو خطوة إلى الأمام، لكنه لا يرقى إلى تحقيق العدالة حيال المسؤولين رفيعي المستوى الذين مكّنوا هذه الجرائم أو لم يوقفوها. عدم محاسبة القادة والمسؤولين الذين نشروا القوات المنتهِكة أو وجّهوها يفتح الباب أمام المزيد من الأعمال الانتقامية والفظائع في سوريا”.
جرائم موثقة
واستند التقرير إلى أكثر من 100 مقابلة مع ضحايا وشهود ومقاتلين وصحفيين، بالإضافة إلى صور أقمار صناعية ومقاطع فيديو تم التحقق منها.
ووثّق التقرير انتهاكات واسعة النطاق شملت الإعدامات خارج القانون، ومداهمات المنازل، والنهب، والحرق، والاستهداف على أساس الهوية، وذلك في أكثر من 24 بلدة وقرية بين 6 و10 مارس/آذار على الأقل.
وأكد مقاتلون تحدثوا للباحثين أن الأوامر كانت تصل عبر قنوات مرتبطة بوزارة الدفاع، وأن تقسيم مناطق العمليات كان مركزياً ومنسقاً بدقة.
المسؤولية القيادية لا تُمحى بالإنكار
من جهته أوضح بسّام الأحمد، المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لـ “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”: “ليس من الضروري وجود أمر يحمل توقيعاً لمحاسبة كبار المسؤولين وقادة الفصائل. كان لدى مسؤولي وزارة الدفاع القدرة على حشد عشرات آلاف المقاتلين، وتحديد مناطق الانتشار الجغرافي وتوزيعها، وإبقاء العمليات مستمرة في عشرات البلدات لأيام”.
وأضاف، “السؤال لا يتمحور فقط حول من أصدر الأوامر، أو ما إذا كان قد أصدرها، بل لماذا لم يتمكن أي شخص مسؤول من وقف القتل والنهب الواسع النطاق. هذا تقصير في القيادة وضعف في الإرادة”.
شهادات حية
في قرية برابشبو جنوب اللاذقية، قالت إحدى السكان إنها وزوجها بقيا في المنزل مع أطفالهما الثلاثة بعد طمأنتهم السلطات المحلية بأن المدنيين لن يتعرضوا للأذى. لكن في الليلة ذاتها، دخل مسلحون المنزل، وسألوا الزوج عن طائفته، وعندما أجاب، أُخذ إلى الخارج وأُعدم على عتبة الباب.
وأضافت: “لم يسألوه عن عمله أو أي شيء، فقط أطلقوا النار عليه”.
مقاتل سابق في “الجيش الوطني السوري” أكد أيضاً أن “الناس قُتلوا فقط لأنهم علويون”، في إشارة إلى أن الاستهداف كان ممنهجاً وليس فردياً.
نمط متكرر
لا يقتصر التقرير على أحداث مارس، بل يوثق أن أنماط الاحتجاز التعسفي والاستهداف على أساس الهوية في المجتمعات العلوية بدأت قبل أسابيع في حمص وريف حماة. واستمرت الانتهاكات لاحقاً في محافظة السويداء في يوليو/تموز، حيث أفاد السكان الدروز بوقوع إعدامات تعسفية ونهب وتدمير للممتلكات خلال عمليات أمنية نفذتها وحدات من وزارتي الدفاع والداخلية، ما يشير إلى استمرارية نمط مؤسسي لا يزال قائماً.
خطوات مطلوبة
وطالبت المنظمات السلطات السورية بنشر التقرير الكامل للجنة التحقيق، وحماية هويات الشهود، وضمان الإجراءات القانونية الواجبة للمتهمين، مع التأكيد على ضرورة أن تشمل المحاسبة المسؤولية المؤسسية وليس فقط الأفعال الفردية.
كما دعت إلى السماح بوصول آليات المساءلة الدولية، وتنفيذ إصلاحات أمنية تشمل التحقق من خلفيات المقاتلين، وطرد المتورطين في الانتهاكات، وتطبيق هياكل قيادة ومدونات سلوك واضحة.
وختمت جلنار أحمد، مديرة برنامج الأرشيف السوري: “الأمر لا يتعلق بما حصل في أسبوع واحد في مارس/آذار، بل هو مؤشر على نمط أوسع يحتاج إلى معالجة هيكلية وشفافة”.