يركز أحدث توجه في عالم التغذية على أهمية تناول الطعام في مواسمه، وهو نهج يتبناه خبراء صحة ومدعوم بأبحاث متزايدة. لا يتعلق الأمر باتباع نظام غذائي صارم، بل بالاستماع إلى إيقاع الطبيعة وتكييف عاداتنا الغذائية وفقًا لذلك. هذا التوجه الجديد يبتعد عن الحميات الغذائية المقيدة ويدعو إلى تنويع النظام الغذائي بناءً على ما هو متوفر محليًا وموسميًا.
يؤكد الدكتور سيمون فيلدهاوس، رئيس الجمعية السويسرية لطب مكافحة الشيخوخة والوقاية منها، على أن “لا يوجد نظام غذائي صحي مثالي”، مفضلاً التركيز على تناول الفواكه والخضروات الموسمية. هذا التوجه يهدف إلى إعادة الانسجام بين نظامنا الغذائي ودورة الطبيعة، وضمان حصول الجسم على العناصر الغذائية التي يحتاجها في كل وقت من السنة. إن تناول الطعام في مواسمه ليس مجرد اتجاه، بل هو عودة إلى ممارسات غذائية صحية تقليدية.
لماذا يعتبر تناول الطعام في مواسمه مفيدًا لصحتك؟
وفقًا لمعهد أبحاث التغذية بجامعة نورث كارولينا، فإن تناول الأطعمة في موسمها يشجع على تنويع النظام الغذائي، وهذا بدوره يدعم صحة الأمعاء ويقلل من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة. تتغير الفصول بشكل طبيعي لتقدم مجموعات جديدة من العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم، مما يضمن الحصول على تغذية متوازنة ومناسبة.
توفر الفواكه والخضروات الصيفية، مثل التوت، مركبات الأنثوسيانين التي تدعم صحة الدماغ والقلب، بينما تقدم الخضروات الخريفية الألياف والكربوهيدرات بطيئة الهضم التي تمنح شعوراً بالشبع والنشاط لفترة أطول. هذا التوازن الطبيعي في العناصر الغذائية يساعد الجسم على التكيف مع المتطلبات المختلفة لكل فصل.
يعتبر تناول الطعام وفقًا للمواسم “تغذية ذكية” وممارسة قائمة على أسس علمية. فهي فرصة لتغذية الجسم بمنتجات طازجة يتم حصادها في أوج نضجها، مما يضمن الحصول على أفضل نكهة وقيمة غذائية. تبدأ الفواكه والخضراوات بفقدان العناصر الغذائية بمجرد حصادها، وشراء المنتجات الموسمية يعني فترات نقل وتخزين أقل، وبالتالي فيتامينات ومضادات أكسدة أكثر.
تأثير الفصول على الاحتياجات الغذائية
في فصل الربيع، يحتاج الجسم إلى التخلص من السموم وتجديد نشاطه بعد خمول الشتاء. الخضراوات الورقية والفواكه الطازجة تساعد في تحقيق ذلك، من خلال توفير الفيتامينات والمعادن الضرورية لتنظيف الجسم وتجديد الخلايا. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الأطعمة الخفيفة تدعم وظائف الكبد والكلى والجهاز الهضمي.
أما في فصل الصيف، فيحتاج الجسم إلى الترطيب والحماية من أشعة الشمس الحارقة. هنا يأتي دور الفواكه والأطعمة الغنية بالماء، مثل البطيخ والطماطم والخيار، التي تساعد في الحفاظ على رطوبة الجسم وتزويده بمضادات الأكسدة. وبشكل عام، يعزز تناول الفواكه الغنية بفيتامين سي المناعة في هذا الموسم.
خلال فصل الخريف، يصبح الجسم أكثر حاجة إلى الأطعمة الغنية بالألياف والمركبات الداعمة للمناعة، استعدادًا لفصل الشتاء. البطاطا الحلوة واليقطين والتفاح والكمثرى توفر هذه العناصر الغذائية الأساسية، وتساعد على تقوية الأمعاء وتحسين وظائف الجهاز المناعي.
وفي فصل الشتاء، يحتاج الجسم إلى الدفء والطاقة، لذلك يفضل تناول الخضراوات الجذرية والحبوب الكاملة والأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من السعرات الحرارية. الجزر والشمندر والشوفان والبرتقال والكيوي هي خيارات ممتازة لتلبية احتياجات الجسم في هذا الفصل البارد.
فوائد إضافية لاتباع نظام غذائي موسمي
وتؤكد شيري غراي، اختصاصية التغذية الحاصلة على ماجستير في الصحة العامة، أن “شراء المنتجات الطازجة يضمن الحصول على نكهات أفضل وقيمة غذائية أعلى”. بسبب قلة فترات النقل والتخزين، تحتفظ الفواكه والخضراوات بكمية أكبر من الفيتامينات والمعادن. وبالتالي، فإن دعم المزارع المحلية وشراء المنتجات الموسمية يساهم في الحصول على غذاء صحي ومستدام.
وتشير ويندي لوبيز، مختصة التغذية لدى جمعية القلب الأمريكية، إلى أنه “كلما طالت الفترة بين قطف المحاصيل واستهلاكها، زاد احتمال انخفاض قيمتها الغذائية”. وتضيف موضحة أن “فيتامين سي، على وجه الخصوص، يتدهور أثناء التخزين”. هذا يعني أن الفواكه والخضراوات الطازجة والموسمية هي الخيار الأفضل للحصول على أقصى فائدة غذائية.
يجدر بالذكر أن التغذية الجيدة تعتمد على نظام غذائي متنوع ومتوازن. يعتبر تناول الطعام في مواسمه جزءًا هامًا من هذا النظام، وبالإضافة إلى ذلك، من الضروري الانتباه إلى جودة الأطعمة ومصادرها، والتركيز على الأطعمة الكاملة غير المصنعة.
ماذا بعد؟
من المتوقع أن يزداد الوعي بأهمية تناول الطعام في مواسمه خلال الأشهر القادمة، مع استمرار الأبحاث في إظهار فوائده الصحية. قد نشهد أيضًا زيادة في الطلب على المنتجات المحلية والموسمية، وهذا سيشجع المزارعين على تبني ممارسات زراعية مستدامة. من المهم مراقبة تطورات هذا التوجه، وتحديد ما إذا كان سيؤثر على السياسات الغذائية والتوصيات الصحية الصادرة عن الجهات المختصة.













