تفتح النيابة العامة الألمانية تحقيقًا مع رجل يبلغ من العمر 100 عام، يشتبه في تورطه بـجرائم قتل ارتكبت في معسكر أسرى خلال الحرب العالمية الثانية. يأتي هذا الإجراء في سياق جهود مستمرة لملاحقة بقايا الجناة من الحقبة النازية، مستفيدًا من سابقة قانونية مهمة تسمح بإدانة المشاركين في نظام الإبادة حتى بدون دليل مباشر على ارتكابهم فعل القتل. التحقيق يجري في دورتموند، غرب ألمانيا.
أعلنت صحيفة “بيلد” الألمانية في 22 نوفمبر عن بدء التحقيق مع الرجل المتهم بالعمل كحارس في معسكر “شتالاغ 6 أيه” في همر بين عامي 1943 و 1944. تتركز الاتهامات حول مشاركته المحتملة في عمليات القتل التي استهدفت آلاف الأسرى السوفييت والبولنديين وغيرهم من الجنسيات خلال تلك الفترة. تؤكد النيابة العامة أنها لا تزال في مرحلة جمع الأدلة وتقييمها.
الملاحقة القضائية لجرائم الحرب: تطورات قانونية ونقص في الأدلة
لطالما شكلت ملاحقة مجرمي الحرب النازيين تحديًا قانونيًا ولوجستيًا. إلا أن إدانة جون ديميانيوك في عام 2011، بتهمة التواطؤ في القتل كحارس في معسكر سوبيبور، أحدثت تحولًا هامًا في الفقه القضائي الألماني. سمحت هذه الإدانة بمحاكمة الأفراد ليس فقط بناءً على أفعالهم المباشرة، بل أيضًا على دورهم في الآلة القمعية النازية، حتى لو لم تثبت مشاركتهم في قتل محدد.
تأثير مبدأ “المشاركة في القتل”
ومنذ ذلك الحين، اعتمدت المحاكم الألمانية هذا المبدأ في إدانة عدد من الحراس السابقين. في عام 2020، حُكم على حارس سابق يبلغ من العمر 93 عامًا بسبب التواطؤ في قتل أكثر من خمسة آلاف شخص في أحد معسكرات الاعتقال. هذا الحكم عزز فكرة أن الملاحقة القضائية ممكنة حتى بعد مرور عقود طويلة على وقوع الجرائم.
لكن مع مرور الوقت، يواجه القضاء الألماني صعوبات متزايدة في هذه المهمة. وفاة العديد من المشتبه بهم وتقدمهم في السن يعيقان قدرتهم على المثول أمام المحكمة. في عام 2021، أظهر تحقيق أن رجلًا يبلغ من العمر 96 عامًا، كان يشتبه في كونه حارسًا سابقًا، غير لائق طبيًا للمحاكمة.
قضايا أخرى شهدت نهايات مماثلة. توفي جوزيف شوتز، الذي حُكم عليه بالسجن خمس سنوات في يونيو 2022، بعد أقل من عام عن عمر يناهز 102 عام. كما توفي رجل آخر، يشتبه في خدمته كحارس في معسكر “ساكسنهاوزن”، في وقت سابق من هذا العام قبل توجيه أي اتهامات إليه بالتواطؤ في قتل أكثر من 3,300 شخص.
معسكر همر: ساحة معاناة الآلاف
كان معسكر همر، الذي يقع في غرب ألمانيا، مركزًا رئيسيًا لاحتجاز أسرى الحرب خلال الحرب العالمية الثانية. بين عامي 1939 و 1945، استقبل المعسكر أكثر من 200 ألف أسير، غالبيتهم من الاتحاد السوفيتي، بالإضافة إلى البولنديين والفرنسيين والبلجيكيين.
تشير التقديرات إلى أن حوالي 24 ألف أسير لقوا حتفهم داخل المعسكر بسبب ظروف الحياة القاسية، بما في ذلك الاكتظاظ وسوء الصرف الصحي وانتشار الأمراض مثل السل. يضاف إلى ذلك، عمليات القتل المباشر التي نفذها الحراس. تعتبر هذه الأرقام دليلاً على المعاناة الهائلة التي تعرض لها الأسرى في ذلك الوقت.
هذه القضية تأتي في سياق اهتمام متزايد بـمعسكرات الاعتقال النازية، وجهود لتوثيق الجرائم التي ارتكبت فيها ومحاسبة المسؤولين عنها. تعتبر هذه الذاكرة الجماعية حجر الزاوية في منع تكرار مثل هذه الفظائع في المستقبل.
بالنسبة للرجل المتهم، فإن مسار القضية يظل غير واضحًا. يواجه المحققون سباقًا مع الزمن لجمع الأدلة الكافية قبل أن تتدهور حالته الصحية وتمنعه من المثول أمام المحكمة. الخطوة التالية المتوقعة هي تقييم شامل للياقة الصحية للمشتبه به وجمع شهادات إضافية من المؤرخين والخبراء. سيكون من المهم مراقبة تطورات هذه القضية وغيرها من القضايا المماثلة، لتقييم مدى قدرة القضاء الألماني على تحقيق العدالة في أواخر هذه الحقبة التاريخية.













