أكد خبير الموارد البشرية محمد أحمد العمري أن تحقيق بيئة عمل جاذبة يتطلب رؤية أعمق من مجرد إطلاق فعاليات ترفيهية أو حملات دعائية. وأشار إلى أن التركيز الحقيقي يجب أن يكون على تحسين جودة الحياة المهنية اليومية للموظفين، وتوفير فرص للنمو والتطور الوظيفي، بدلاً من الاكتفاء بمظاهر السعادة الزائفة. هذا التحول ضروري لضمان ولاء الموظفين وزيادة إنتاجيتهم على المدى الطويل.
جاءت تصريحات العمري خلال مداخلة له على إذاعة العربية إف إم، حيث انتقد ما وصفه بـ “تجميل” بيئات العمل من قبل بعض الشركات دون معالجة المشكلات الأساسية. وأوضح أن هذه الممارسات لا تعالج جذور المشكلة، بل هي مجرد محاولات لتغطية أو إخفاء المشكلات الحقيقية التي تواجه الموظفين.
أهمية بيئة العمل الجاذبة وتجاوز المظاهر
تعتبر بيئة العمل الجاذبة من العوامل الرئيسية التي تؤثر على رضا الموظفين وإنتاجيتهم. ومع ذلك، يرى العمري أن العديد من الشركات تركز على الجانب السطحي من هذا المفهوم، مثل تنظيم الفعاليات والأنشطة الترفيهية، دون الاهتمام بالعناصر الأساسية التي تجعل الموظف يشعر بالتقدير والتحفيز.
عناصر أساسية لبيئة عمل صحية
وفقًا للعمري، فإن الموظف يبحث عن بيئة عمل توفر له فرصًا للترقية والتطور الوظيفي. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هناك معايير تقييم واضحة ومحددة، وأهداف قابلة للقياس، مبنية على مبادئ العدالة والشفافية. هذه العناصر تخلق شعورًا بالثقة والأمان لدى الموظف، وتشجعه على بذل قصارى جهده.
في المقابل، يرى أن الفعاليات الاحتفالية والأنشطة الترفيهية ليست ضرورية إذا كانت هذه العناصر الأساسية متوفرة. فالموظف الذي يشعر بالتقدير والتحفيز لن يحتاج إلى فعاليات إضافية ليشعر بالسعادة والرضا في عمله. بل قد يراها البعض مضيعة للوقت والجهد.
تتفق مع هذا الرأي دراسات حديثة في مجال علم النفس التنظيمي، والتي تؤكد على أهمية الشعور بالهدف والمعنى في العمل. فالموظف الذي يشعر بأن عمله له قيمة وأنه يساهم في تحقيق أهداف أكبر، يكون أكثر سعادة ورضا وإنتاجية. وهذا الشعور لا يمكن تحقيقه من خلال الفعاليات الترفيهية وحدها.
تأثير ثقافة الشركة
تلعب ثقافة الشركة دورًا حاسمًا في خلق بيئة عمل جاذبة. فالشركات التي تعزز قيم الاحترام والتعاون والابتكار، وتوفر فرصًا للموظفين للتعبير عن آرائهم والمشاركة في اتخاذ القرارات، تكون أكثر قدرة على جذب المواهب والاحتفاظ بها.
ومع ذلك، يرى البعض أن تغيير ثقافة الشركة ليس بالأمر السهل، ويتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين. ولكنه يرى أن الاستثمار في بناء ثقافة إيجابية هو استثمار في مستقبل الشركة، ويؤتي ثماره على المدى الطويل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن توفير بيئة عمل داعمة للصحة النفسية والجسدية للموظفين أمر ضروري. وهذا يشمل توفير برامج للعناية بالصحة، وتشجيع الموظفين على تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية.
تحديات تواجه الشركات في بناء بيئات عمل جاذبة
تواجه الشركات العديد من التحديات في بناء بيئات عمل جاذبة. من بين هذه التحديات، ضغوط العمل المتزايدة، والمنافسة الشديدة على المواهب، والتغيرات السريعة في سوق العمل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الشركات لا تزال تعتمد على أساليب إدارة تقليدية، لا تأخذ في الاعتبار احتياجات وتطلعات الموظفين الجدد. وهذا يمكن أن يؤدي إلى شعور الموظفين بالإحباط وعدم الرضا، وبالتالي إلى ارتفاع معدل دوران الموظفين.
تعتبر إدارة الموارد البشرية الفعالة من العوامل الرئيسية التي تساعد الشركات على التغلب على هذه التحديات. فإدارة الموارد البشرية الجيدة يجب أن تكون قادرة على فهم احتياجات الموظفين، وتوفير البرامج والخدمات التي تساعدهم على تحقيق أهدافهم المهنية والشخصية.
تتجه العديد من الشركات حاليًا إلى تبني نماذج عمل مرنة، تسمح للموظفين بالعمل عن بعد أو العمل بدوام جزئي. وهذا يمكن أن يساعد في تحسين التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وزيادة رضا الموظفين.
من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة المزيد من التطورات في مجال إدارة الموارد البشرية، مع التركيز على استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة الموظفين وزيادة إنتاجيتهم.
في الختام، يتطلب بناء بيئة عمل جاذبة رؤية شاملة واستراتيجية متكاملة، تركز على تحسين جودة الحياة المهنية للموظفين وتوفير فرص النمو والتطور. ومن المتوقع أن تواصل الشركات الاستثمار في هذا المجال، مع التركيز على استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتحقيق أهدافها. وستظل متابعة التطورات في هذا المجال أمرًا ضروريًا للشركات التي تسعى إلى جذب المواهب والاحتفاظ بها.













