أمستردام – يلقي الفيلم الوثائقي القصير “Wishful Filming” (فيلم الأماني) الضوء على حياة العمال المهاجرين في بروكسل من خلال رسائلهم السرية التي يتركونها داخل المباني قيد الإنشاء. هذا العمل السينمائي الذي حاز على إعجاب النقاد، وعرض في مهرجان دوكليسبوا ومهرجان إدفا الدولي للأفلام الوثائقية، يطرح أسئلة عميقة حول الهجرة والعمل والذاكرة، ويقدم نظرة فريدة على المدينة وقاطنيها.
بعد عرضه الأول في مهرجان دوكليسبوا 2025 بالبرتغال، حيث فاز بجائزة أفضل فيلم وثائقي عن بيئة العمل، وصل “فيلم الأماني” إلى مهرجان إدفا في أمستردام ضمن قسم يركز على الأصوات السينمائية المتميزة. الفيلم من إخراج سارة فاناغت، ويتناول تجربة شخصية بدأت خلال فترة إقامتها في لندن، حيث لفت انتباهها تقليد أوروبي قديم يتمثل في ترك البناة رسائل في المباني التي يعملون عليها.
تقليد قديم وتعبير معاصر: “Wishful Filming” والطبقة العاملة المهاجرة
يعود تقليد ترك الرسائل داخل المباني إلى قرون مضت، حيث كان البناة يودعون بصماتهم أو تمنياتهم للأجيال القادمة. استلهمت فاناغت من هذا التقليد فكرة فيلمها، لكنها أضفت إليه بعدًا معاصرًا يعكس واقع المدن الأوروبية اليوم. الفيلم لا يسعى إلى إيجاد مشهد درامي، بل إلى التقاط اللحظات الإنسانية العميقة.
استغرق إقناع العمال بالمشاركة في الفيلم وقتًا وجهدًا، وفقًا لفاناغت. فالوصول إلى مواقع البناء في بروكسل لم يكن سهلاً، لكنها أصرت على إعطاء هؤلاء العمال، الذين يشكلون غالبية القوة العاملة في المدينة، فرصة للتعبير عن أنفسهم. لقد كانت تجربة متبادلة الأثر، حيث أظهرت الكاميرا تفاصيل حياتهم وأفكارهم.
تنوع ثقافي في رسائل مبنية على الأمل
العمال الذين التقتهم المخرجة جاؤوا من خلفيات ثقافية متنوعة، بما في ذلك بولندا وإيران والبرازيل والمغرب وبلجيكا. هذا التنوع انعكس في الرسائل التي كتبوها، والتي كانت بمثابة وثيقة حية عن واقع الهجرة والعمل في العاصمة البلجيكية. هذه الرسائل لم تكن موجهة لشخص محدد، بل للأجيال القادمة.
تميز أسلوب الفيلم بالبساطة والعفوية، حيث تعتمد فاناغت على تسجيل لحظات عابرة في مواقع البناء. لقطات سريعة لأيدي العمال وهي تكتب، ثم البحث عن أماكن لإخفاء الرسائل، تخلق شعورًا بالصدق والأصالة. لا توجد مقابلات مطولة أو تعليقات صوتية، بل التركيز ينصب على الرسائل نفسها وعلى الأشخاص الذين كتبوها.
رسائل في الخرسانة: ما الذي يكشفه “فيلم الأماني”؟
تتنوع الرسائل المخبأة في جدران المباني وأرضياتها بين التمنيات والتحيات والتأملات الشخصية. إحدى الرسائل تذكر ببساطة: “آمل أن يكون العالم مكانًا أفضل”، وهي كلمات تعبر عن أمل إنساني عميق. الفيلم لا يقدم إجابات جاهزة، بل يثير تساؤلات حول الهوية والانتماء والمستقبل.
يشدد الفيلم على التناقض بين بريق بروكسل كمركز للاتحاد الأوروبي وواقع حياة العمال المهاجرين الذين يبنون هذه المدينة. إنهم يعملون في الظل، وإسهاماتهم غالبًا ما تمر دون أن يلاحظها أحد. من خلال هذا الفيلم، تسعى فاناغت إلى إعطاء هؤلاء العمال صوتًا وحضورًا، وإعادة جزء من الكرامة إليهم. يساهم الفيلم بشكل كبير في إثراء النقاش حول **العمل والهجرة** في أوروبا.
يعتبر “Wishful Filming” بمثابة “إنهاء الاستعمار السينمائي”، فهو يقلب الموازين التقليدية في صناعة الأفلام الوثائقية. بدلًا من التحدث عن المهمشين، يمنحهم الفيلم أداة للتعبير عن أنفسهم، ويترك لهم حرية اختيار ما يريدون أن يقولوه وكيف يريدون أن يقولوه. من خلال هذا الأسلوب، يتم إعادة السلطة السردية إلى أصحاب القصص أنفسهم. يركز الفيلم على **السينما الوثائقية** كأداة للتغيير.
ينضم الفيلم إلى قائمة متنامية من الأفلام التي تتناول قضايا إنهاء الاستعمار، والتي تحظى باهتمام متزايد في الأوساط السينمائية. مهرجان إدفا الحالي يشهد تغييرًا في التوجهات البرمجية بعد الأحداث الأخيرة في غزة، مع تركيز أكبر على أصوات الجنوب العالمي والأفلام التي تتناول قضايا العدالة والمساواة. يمثل هذا تحولًا هامًا في المشهد السينمائي العالمي، والذي يفتح الباب أمام المزيد من الأفلام التي تتناول هذه القضايا الحساسة.
من المتوقع أن يستمر عرض “Wishful Filming” في العديد من المهرجانات السينمائية حول العالم، مما يتيح له الوصول إلى جمهور أوسع. وسيساهم الفيلم في إثارة النقاش حول قضايا الهجرة والعمل والتعبير عن الذات، ودفع الجهود نحو بناء مجتمعات أكثر عدلاً ومساواة. ما يجب مراقبته هو تأثير الفيلم على السياسات المتعلقة بالعمال المهاجرين في بروكسل وأوروبا، وهل سيؤدي إلى اعتراف أكبر بحقوقهم وإسهاماتهم. الفيلم يستحق المشاهدة لمناقشة قضايا **العدالة الاجتماعية** وتحديات العولمة .













