تشهد الصادرات الصينية نمواً ملحوظاً إلى دول جنوب شرق آسيا، متجاوزةً معدلات السنوات الأربع الماضية بشكل كبير. يأتي هذا الارتفاع في ظل التوترات التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة، مما يدفع بكين إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع جيرانها الإقليميين. وتشير البيانات إلى أن هذا التوجه قد يعيد تشكيل ديناميكيات التجارة في المنطقة.
ووفقًا لبيانات الواردات الرسمية من إندونيسيا وسنغافورة وتايلاند والفلبين وفيتنام وماليزيا، ارتفعت الصادرات الصينية إلى هذه الدول بنسبة 23.5% في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، لتصل إلى 407 مليارات دولار مقارنة بـ 330 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي. ويعكس هذا النمو تحولًا استراتيجيًا في التجارة الصينية.
تأثير الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية
يُعتقد أن الرسوم الجمركية الأمريكية المتزايدة على البضائع الصينية تلعب دورًا رئيسيًا في هذا التحول. فقد أدت هذه الرسوم، التي تصل إلى حوالي 47% على بعض المنتجات، إلى البحث عن أسواق بديلة، وجنوب شرق آسيا هي المستفيد الأكبر. في المقابل، تبلغ الرسوم الجمركية في العديد من دول جنوب شرق آسيا حوالي 19%.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن جزءًا من هذه الزيادة في الصادرات قد يكون نتيجة لمحاولات الشركات الصينية للتحايل على الرسوم الجمركية الأمريكية عن طريق إعادة توجيه منتجاتها عبر دول جنوب شرق آسيا. وقد حذرت الولايات المتحدة من ممارسة “إعادة الشحن” هذه، وهددت بفرض رسوم إضافية تصل إلى 40% على هذه السلع، لكن مدى تطبيق هذه الإجراءات لا يزال غير واضح.
التحول في سلاسل التوريد
بالإضافة إلى الرسوم الجمركية، يساهم التغير في سلاسل التوريد العالمية في هذا الاتجاه. تسعى الشركات متعددة الجنسيات إلى تنويع مصادرها وتقليل اعتمادها على الصين، مما يزيد من الطلب على المنتجات والمكونات الصينية في دول جنوب شرق آسيا لتجميعها وتصديرها إلى أسواق أخرى. وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 60% من الصادرات الصينية إلى المنطقة هذا العام عبارة عن مكونات تدخل في صناعات أخرى.
ومع ذلك، يرى بعض الاقتصاديين أن هذا النمو قد يخلق تحديات للمنتجين المحليين في جنوب شرق آسيا، الذين قد يجدون صعوبة في منافسة الأسعار الرخيصة للمنتجات الصينية. وقد بدأت بعض الدول في اتخاذ تدابير لحماية صناعاتها المحلية، مثل تشديد قواعد الاستيراد ودراسة فرض رسوم جمركية جديدة.
سيطرة قطاع السيارات الصيني على السوق
يظهر تأثير الصادرات الصينية بشكل خاص في قطاع السيارات. فقد شهدت دول جنوب شرق آسيا تحولًا ملحوظًا في تفضيلات المستهلكين نحو السيارات الكهربائية الصنع، وخاصة تلك التي تنتجها شركة “بي واي دي” (BYD). وقد أدى ذلك إلى انخفاض حصة الشركات اليابانية التقليدية، مثل تويوتا وهوندا ونيسان، في السوق.
فقد انخفضت حصة الشركات اليابانية إلى 62% من مبيعات السيارات في أكبر ستة أسواق في جنوب شرق آسيا في النصف الأول من عام 2025، مقارنة بمتوسط 77% في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. في المقابل، زادت حصة الصين بشكل كبير لتتجاوز 5% من إجمالي مبيعات السيارات السنوية البالغة 3.3 مليون سيارة.
وتشير التحليلات إلى أن الشركات المصنعة في جنوب شرق آسيا تحتاج إلى تطوير قدراتها التنافسية والابتكار لمواجهة التحدي الذي تمثله الصادرات الصينية المتزايدة. فالشركات التي لا تستطيع التكيف مع هذه التغيرات قد تواجه صعوبات في البقاء في السوق.
من المتوقع أن تستمر هذه الاتجاهات في عام 2025، مع زيادة الضغوط على الولايات المتحدة لتقييم فعالية الرسوم الجمركية الحالية. كما يجب مراقبة ردود فعل حكومات جنوب شرق آسيا على النمو الصيني، وما إذا كانت ستتخذ المزيد من الإجراءات لحماية صناعاتها المحلية. وستظل ديناميكيات سلاسل التوريد العالمية، والتطورات التكنولوجية في قطاع السيارات، من العوامل الرئيسية التي ستشكل مستقبل التجارة بين الصين وجنوب شرق آسيا.













