في زمنٍ تمضي فيه الأمم نحو المستقبل بخطى مسرعة، وقليلٌ منها يلتفت إلى من صنعوا البدايات، ترفع المملكة راية الوفاء لمن منحوا أعمارهم للبناء. ثمانيةُ عقودٍ من العمر ليست خريفاً في سجل الإنسان السعودي، بل فصلُ الحكمة الذي تحرسه الدولة برعايةٍ تمتد من نبض المستشفى إلى دفء البيت.
مليون سعودي تجاوزوا سنّ الستين وفق الهيئة العامة للإحصاء، يجدون اليوم في مؤسسات وطنهم يداً تُعالج، وأخرى تُكرم، وثالثة تفتح لهم أبواب المشاركة في حياةٍ لا تعرف التقاعد عن العطاء.
وفي هذا المشهد الإنساني، لا تُساق الوعود بالكلمات، بل تُكتب بالأنظمة واللوائح، وتُنفَّذ بالبرامج الواقعية التي جعلت رعاية كبار السن بنداً ثابتاً في سياسة الدولة الاجتماعية والصحية، ضمن رؤيةٍ ترى الإنسان أثمن استثمار في تاريخ الوطن.
ومن بين الجدران الهادئة لدور الرعاية، وحتى الأحياء الشعبية في القرى والهجر، تمدّ وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ذراعها لكل كبيرٍ في السن وأنشأت أكثر من 12 دار رعاية اجتماعية، تقدّم الإيواء والعلاج والدعم النفسي، وفعّلت برامج الرعاية المنزلية لتبقى الشيخوخة في كنف الأسرة لا في عزلة الجدران، كما أطلقت مبادرة «ديوانية الغالين» التي تحوّلت إلى مساحة تواصلٍ مجتمعيٍ تُعيد للزمن جماله، وبرامج تمكينٍ تشجع كبار السن القادرين على العمل، وتتيح لهم الاستمرار في ميادين الخبرة وتعمل الوزارة ضمن نظام حقوق كبير السن ورعايته الذي أقرّ بمرسوم ملكي، لتصبح حماية الكبار مسؤولية دولة، لا مبادرةً وقتية.
وفي ممرات المستشفيات، وعلى أبواب البيوت، تُقدّم وزارة الصحة نموذجاً للرعاية التي لا تعرف المسافات وبرنامج الرعاية الصحية المنزلية يخدم آلاف كبار السن يومياً عبر فرقٍ طبيةٍ متنقلة تصل إلى المنازل في كل مدينة وقرية. أما بطاقة «أولوية» فكانت الجسر الذي منح المسن حقه في الصف الأول داخل المستشفيات والمراكز، من دون أن يرفع صوته أو ينتظر طويلاً وتتبنّى الوزارة حملات وطنية لرفع الوعي بأمراض الشيخوخة، وتطوّر تخصص طبّ كبار السن في الجامعات والمراكز الطبية، وتُدرج في خطتها السنوية مؤشراتٍ واضحة لقياس جودة الخدمات المقدّمة لهذه الفئة.
تشريعٌ وقانون
في عام 1443هـ، وُلد نظام حقوق كبير السن ورعايته، مؤلف من 23 مادة تضمن للإنسان في خريف العمر حقوقاً لا تنتقصها السنوات: حقّ العيش في بيئةٍ تحفظ كرامته، والرعاية الأسرية، والأولوية في الخدمات، والحماية من الإيذاء أو التهميش، ومنحت اللائحة التنفيذية للنظام الوزارات والأجهزة الحكومية صلاحيات التكامل، وألزمت القطاعين الأهلي والخاص بالمشاركة في منظومة الرعاية، ليصبح الاهتمام بكبار السن عملاً وطنياً مشتركاً، لا مهمة إدارية محدودة.
أخبار ذات صلة