تعد ملفات الشراكة الاستراتيجية في الاقتصاد والتكنولوجيا من أبرز أهداف زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، إلى الولايات المتحدة الاثنين المقبل، وذلك إلى جانب الملف الجيوسياسي في المنطقة والعالم، حيث يلتقي سموه الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، وكبار المسؤولين الأمريكيين، ضمن زيارة تعد الأولى من نوعها لسموه منذ توليه رئاسة الدولة.
ومن المقرر بحث سبل تعزيز التعاون والشراكة الإستراتيجية بين البلدين في جميع المجالات خاصة الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والفضاء إضافة إلى الطاقة المتجددة ومواجهة التغير المناخي وحلول الاستدامة وغيرها من الجوانب التي تخدم رؤية البلدين تجاه مستقبل أكثر تقدماً وازدهاراً للجميع. وتشكل هذه المجالات إحدى الركائز المهمة للعلاقات بين البلدين خلال الفترة المقبلة، كما أنها تمثل أولوية لدولة الإمارات.
وتأتي هذه الزيارة في مرحلة مهمة لدولة الإمارات وتعبر عن طموحها لتعزيز آفاق اقتصادها وربط ذلك بالتقدم التكنولوجي الكبير وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.
أرقام تجارية
وتشهد العلاقات الإماراتية الأمريكية نمواً متزايداً في مختلف القطاعات. فالإمارات هي الشريك التجاري الأول عربياً للولايات المتحدة، فيما جاءت الولايات المتحدة كثالث أكبر شريك تجاري للدولة عالمياً.
وبحسب الأرقام الرسمية للعام 2023، فإن التجارة الخارجية غير النفطية بين الإمارات وأمريكا حققت نمواً بنسبة 20% لتصل إلى أكثر من 40 مليار دولار في العام 2023 مقارنةً بعام 2022 وبنسبة نمو أكثر من 50% مقارنةً مع مستويات ما قبل الجائحة عام 2019.
كما أن الواردات الإماراتية من الولايات المتحدة ساهمت في دعم أكثر من 166 ألف فرصة عمل في الأسواق الأمريكية.
وبلغ إجمالي الاستثمارات الإماراتية في الولايات المتحدة 38 مليار دولار وتركز على النقل والأنشطة التجارية وتكنولوجيا المعلومات والعقارات والأغذية والمشروبات والفضاء. وهناك أكثر من 4.3 مليار دولار استثمارات الولايات المتحدة في الأسواق الإماراتية، وأكثر من 16 ألف مواطن أمريكي يساهمون في رخص تجارية رسمية داخل الدولة، كما ان 60% من الشركات في مركز دبي المالي هي شركات أمريكية.
ويعيش في دولة الإمارات 55 ألف أميركي، فيما يزور الدولة نحو مليون زائر كل عام، وهناك نحو 142 رحلة طيران أسبوعية بين البلدين، في مختلف المطارات، مما يمنح فرصاً كبيرة للدفع بالعلاقات الاقتصادية إلى المزيد من النمو خلال الفترة المقبلة.
التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي
وتلتزم الإمارات والولايات المتحدة برؤية استراتيجية لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية، خاصة في المجالات الجديدة، وأبرزها الذكاء الاصطناعي.
وتؤمن دولة الإمارات أن عصر الذكاء الاصطناعي قد حلّ، وأصبحنا نعيش في لحظة تحول تمس كل مجالات الحياة الحديثة والشؤون الدولية، وتراهن الإمارات بشكل كبير على استباق التحول الكبير في شكل ونمط الاقتصاد والتكنولوجيا خلال السنوات العشر المقبلة، والتخطيط لمرحلة ما بعد النفط.
وقد قدمت الإمارات الدعم المالي لشركات التكنولوجيا القائمة والشركات الناشئة الواعدة، والعديد منها في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، قامت مبادلة، باستثمار لمدة 17 عاماً في شركة جلوبال فاوندريز ومقرها نيويورك، ما ساعد على إعادة تنشيط صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة مع تطوير الخبرة الإماراتية في هذا القطاع. وتعاونت شركة G42 مع شركة سيريبراس سيستمز في كاليفورنيا لبناء أكبر كمبيوتر فائق السرعة في العالم للتدريب على الذكاء الاصطناعي.
كذلك أعلنت شركة “إم جي إكس” وهي شركة إماراتية متخصصة في مجال التكنولوجيا تركّز على تسريع تطوير وتبني الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، عن شراكة مع “بلاك روك” و”جلوبال إنفراستركتشر بارتنرز”و”مايكروسوفت”، لإطلاق “الشراكة العالمية للاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي”، وذلك للاستثمار في مراكز البيانات الجديدة والموسعة، تلبيةً للطلب المتزايد على القدرة الحوسبية الفائقة.
علاقات تاريخية راسخة
وتحرص دولة الإمارات على توسيع وتنويع خيارات التحرك السياسي على الساحة الدولية، وهذا ما يتضح من تعزيز علاقاتها مع القوى الكبرى إضافة إلى القوى الإقليمية المؤثرة والناشئة.
وعبرت الولايات المتحدة باستمرار عن تقديرها لأدوار الإمارات البناء في العلاقات الدولية، وهي تنظر إلى الإمارات كشريك موثوق يعتمد عليه في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي ودعم مسارات التنمية الاقتصادية والبشرية في مختلف أنحاء العالم.
وتعد العلاقات مع الولايات المتحدة تاريخية وراسخة وطويلة الأمد، قائمة على المؤسسات. ورصيد هذه العلاقات يعود إلى الصراحة والشفافية في التعاطي مع الملفات، والالتزام بالقانون الدولي والإنساني في كافة المقاربات التي تعتمدها الإمارات في اتصالاتها الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة حيث يواصل البلدان التعاون لمكافحة التطرف والإرهاب على مستويين متكاملين، المستوى الأمني والاقتصادي من خلال مساهمات الإمارات في جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيمي داعش الإرهابي والقاعدة وحلفائهما وأشباههما، في الشرق الأوسط وأفريقيا. كما تعد الإمارات في صدارة الدول التي قدمت مبادرات ضد خطاب الكراهية والتطرف وتأسيس مجتمعات قائمة على السلم، وذلك عبر منصات عديدة تبث رسائل التسامح ومكافحة التطرف، مثل مركز هداية ومركز صواب، وكذلك دعم المنبار الداعمة للخطاب البنّاء، إلى جانب الاستمرار بقوة في مكافحة خطاب الإسلاموفوبيا في الغرب.
وتشدد دولة الإمارات على موقفها الثابت أن لا حل للقضية الفلسطينية إلا عبر «حل الدولتين»، وضرورة إيقاف الحرب الحالية في غزة وضمان عودة النازحين بشكل عاجل. ودعمت الإمارات كافة الجهود الإنسانية لدعم النازحين والمشردين بسبب الحرب، بما في ذلك رصيف المساعدات التي شيدتها وزارة الدفاع الأمريكة بالتعاون مع قبرص.
ودأبت الإمارات على استثمار مكانتها الدولية في خدمة الأمن والاستقرار العالمي، وتنطلق رؤية الدولة في الحل السلمي إلى تجارب التاريخ في العلاقات الدولية، حيث إن تكاليف الحروب بددت فرصاً لا تعوض من التنمية والازدهار، وفاقمت الأزمات الإنسانية.
وتتوافق الإمارات مع دعم الجهود الأمريكية الدبلوماسية لحل أزمات المنطقة، بما في ذلك الأزمة في أوكرانيا والأزمات والحروب التي خلفتها حقبة ما يسمى “الربيع العربي” المدمرة.
الشراكة في المناخ
وفي نوفمبر 2022 توج البلدان هذه العلاقات باتفاقية شراكة استراتيجية شاملة شهد توقيعها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لاستثمار 100 مليار دولار في تنفيذ مشروعات للطاقة النظيفة تبلغ طاقتها الإنتاجية 100 غيغاواط في كل من دولة الإمارات والولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالم بحلول عام 2035 وذلك بهدف تعزيز أمن الطاقة ونشر تطبيقات التكنولوجيا النظيفة ودعم العمل المناخي.
وتجسد هذه الشراكة التزام دولة الإمارات والولايات المتحدة المشترك بتعزيز التقدم في جهود العمل المناخي ورفع سقف الطموح في هذا المجال من خلال تضافر الجهود، بما ينسجم مع أهدافهما للوصول إلى الحياد المناخي بحلول 2050 .
وساهمت الولايات المتحدة في نجاح العديد من المبادرات التي طرحت خلال “كوب 28” التي استضافتها دبي عام 2023، ويواصل البلدان جهودهما للتنسيق والعمل معاً ضمن رؤية مشتركة تؤكد أن المسار الأسرع والأكثر موثوقية للوصول إلى الحياد المناخي ، يقتضي تسريع الاستثمار في تقنيات وموارد الطاقة النظيفة، حيث يدرك الجانبان أنّ نجاح العمل المناخي يعتمد بشكل جوهري على تعزيز أمن الطاقة العالمي وتسهيل الاستفادة من خدماتها وتوفيرها بأسعار مناسبة.
ويعمل البلدان على خلق فرص لإطلاق استثمارات مشتركة ومجدية اقتصادياً في الدول الناشئة والنامية من خلال التركيز على دفع مسيرة العمل المناخي العالمي، وكذلك دعم مشروعات الطاقة المستدامة ذات الجدوى الاقتصادية والبيئية في الدول النامية، من خلال توفير الخبرة الفنية والمساعدة في إدارة المشروعات وتوفير التمويل.
وساهمت دولة الإمارات في دعم وتطوير ثمانية مشروعات للطاقة النظيفة في الولايات المتحدة، بقدرة إجمالية تبلغ 1.6 غيغاواط في ولايات كاليفورنيا وتكساس ونيومكسيكو ونبراسكا، وشملت هذه المشروعات استثمارات في محطتين لطاقة الرياح، هما محطة “روكسبرينغز” بقدرة إنتاجية تبلغ 149 ميغاواط في مقاطعة “فال فيرد” في ولاية تكساس، ومحطة “سترلينغ” بقدرة إنتاجية تبلغ 29.9 ميغاواط في مقاطعة “ليا” في ولاية نيومكسيكو.