أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين السورية عن استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع اليابان، بعد فترة انقطاع طويلة. يمثل هذا الإعلان خطوة مهمة نحو إعادة سوريا إلى المجتمع الدولي، وفتح آفاق جديدة للتعاون الثنائي في مجالات متعددة. وتأتي هذه الخطوة في ظل تحولات إقليمية ودولية متسارعة، وتسعى دمشق وطوكيو إلى تعزيز مصالحهما المشتركة.
جاء الإعلان الرسمي خلال اجتماع رفيع المستوى في دمشق يوم أمس، جمع مدير إدارة الشؤون الأفروآسيوية وأوقيانوسيا بوزارة الخارجية السورية، محمد زكريا لبابيدي، ونائب وزير الخارجية الياباني، يوهيني أونيشي. هذه الزيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول ياباني بهذا المستوى إلى سوريا منذ أكثر من 15 عامًا، مما يؤكد على أهمية هذه الخطوة.
استئناف العلاقات السورية اليابانية: بداية مرحلة جديدة
يمثل استئناف العلاقات بين سوريا واليابان تحولًا ملحوظًا في السياسة الخارجية لكلا البلدين. كانت العلاقات قد تدهورت بشكل كبير في أعقاب اندلاع الأزمة السورية عام 2011، مع إغلاق السفارة اليابانية في دمشق وتعليق المساعدات الإنمائية. ومع ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى رغبة مشتركة في تجاوز الخلافات السابقة وإعادة بناء الثقة.
أهداف الاجتماع ومناقشات الجانبين
ركز الاجتماع بين المسؤولين السوريين واليابانيين على استكشاف سبل تطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والتجارة والاستثمار وإعادة الإعمار. وأكد الجانبان على أهمية تعزيز التعاون بما يخدم مصالح الشعبين الصديقين، وفقًا لما صرحت به وزارة الخارجية السورية.
أعرب لبابيدي عن تطلع سوريا للاستفادة من الخبرة اليابانية المتقدمة في مجالات التكنولوجيا والابتكار، بالإضافة إلى دعمها في جهود إعادة الإعمار والتنمية. من جانبه، تعهد أونيشي بتقديم مساعدات إنسانية جديدة للشعب السوري، ودعم جهود إعادة بناء البنية التحتية المتضررة.
بالإضافة إلى ذلك، ناقش الطرفان دور القطاع الخاص الياباني في عملية إعادة الإعمار، مع التخطيط لعقد منتدى للشركات اليابانية المهتمة بالاستثمار في سوريا. يهدف هذا المنتدى إلى توفير منصة للشركات اليابانية للتعرف على الفرص الاستثمارية المتاحة، وبناء شراكات مع الشركات السورية.
موقف اليابان من القضية الفلسطينية والوضع الإقليمي
خلال الاجتماع، أكد نائب وزير الخارجية الياباني على رفض بلاده القاطع للاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، ودعمها الكامل لسيادة سوريا ووحدة أراضيها. ويعتبر هذا الموقف الياباني دعمًا ضمنيًا للحقوق العربية في المنطقة، ويعكس حرص طوكيو على الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
وتأتي هذه التصريحات في سياق التوترات المتزايدة في المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. تعتبر اليابان من أبرز الدول المانحة للأونروا، وتدعم حل الدولتين كإطار عمل لإنهاء الصراع.
وتشمل العلاقات الثنائية بين سوريا واليابان أيضًا التعاون في مجالات التعليم والثقافة والتبادل الشعبي. وقبل الأزمة السورية، كانت اليابان تقدم منحًا دراسية للطلاب السوريين، وتدعم المشاريع الثقافية التي تهدف إلى تعزيز التفاهم المتبادل بين البلدين. من المتوقع أن يتم استئناف هذه البرامج في المستقبل القريب.
تعتبر هذه الخطوة جزءًا من جهود أوسع تبذلها سوريا لإعادة بناء علاقاتها مع الدول العربية والدولية. وقد شهدت الأشهر الأخيرة تحسنًا ملحوظًا في العلاقات بين سوريا وعدد من الدول، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والسعودية.
الاستثمار في سوريا يمثل فرصة واعدة للشركات اليابانية، خاصة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والزراعة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه المستثمرين، بما في ذلك الوضع الأمني غير المستقر والقيود المفروضة على التحويلات المالية.
المساعدات الإنسانية ضرورية لتلبية الاحتياجات المتزايدة للشعب السوري، الذي يعاني من آثار الحرب والنزوح. وتشير التقارير إلى أن ملايين السوريين لا يزالون بحاجة إلى المساعدة الغذائية والمأوى والرعاية الصحية.
التعاون الاقتصادي يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في تعزيز التنمية المستدامة في سوريا، وخلق فرص عمل جديدة. ويجب أن يركز هذا التعاون على بناء القدرات المحلية، وتشجيع الابتكار، وتعزيز التجارة الحرة.
من المتوقع أن يتم تشكيل لجان مشتركة بين سوريا واليابان لمتابعة تنفيذ الاتفاقيات المبرمة، وتحديد مجالات التعاون المستقبلية. كما من المحتمل أن يتم تبادل الزيارات الرسمية بين مسؤولي البلدين، بهدف تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح متى سيتم إعادة فتح السفارة اليابانية في دمشق، أو متى سيتم استئناف المساعدات الإنمائية بشكل كامل. سيكون من المهم مراقبة التطورات السياسية والأمنية في سوريا، وتقييم تأثيرها على العلاقات الثنائية مع اليابان.













