يتجنب الطلاب الأجانب في الجامعات الأميركية، التعبير عن آرائهم بعد الإجراءات العقابية للإدارة الأميركية تجاه المشاركين منهم في المظاهرات الداعمة لفلسطين.
وأدى إلغاء تأشيرات طلاب أجانب وتوقيف بعضهم بغرض الترحيل في إجراء دخل حيز التنفيذ بعد وصول الرئيس دونالد ترامب للسلطة، إلى تغيير سلوكيات في الجامعات الأميركية وخاصة عند الطلاب الأجانب.
وللاطلاع أكثر على تلك المتغيرات في ظل الإجراءات العقابية، رصدت الأناضول، آراء طلاب في حرم جامعة هارفارد، التي هددتها إدارة ترامب بقطع التمويل الفدرالي عنها.
اعرف حقوقك
ورغم اختلاف جنسياتهم والبلدان التي قدموا منها إلى جامعة هارفارد -إحدى أعرق الجامعات الأميركية-، فإن مخاوف الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة واحدة، وتتمثل بخطر إلغاء تأشيراتهم.
وتشتهر مدينة بوسطن في ولاية ماساتشوستس بأنها مدينة للطلاب والعلم، وتضم أفضل الجامعات في البلاد، كما تضم أكبر عدد من الطلاب الأجانب بواقع أكثر من 44 ألف طالب من جميع أنحاء العالم.
ويشكل الطلاب الأجانب البالغ عددهم 6793 طالبا في جامعة هارفارد، 27% من إجمالي عدد طلاب الجامعة.
غير أن الإجراءات الأميركية تجاه الطلاب الأجانب وتهديدهم بإلغاء تأشيراتهم، بثت الخوف والارتباك في نفوسهم، إذ وصلوا إلى درجة الخشية من التعبير عن آرائهم بالولايات المتحدة.
وقد انعكست تلك الضغوط جليا على مشاركة الطلاب الأجانب في المظاهرات المنددة بقطع التمويل عن الجامعات التي شهدتها عدة مدن أميركية الخميس الماضي، حيث لم تحظ تلك المظاهرات إلا بمشاركة خجولة من الطلاب الأجانب، ومن شارك منهم أخفى وجه تجنبا لكشف هويته.
كما يتجنب الطلاب الأجانب أيضا نشر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن القضايا المتعلقة بفلسطين أو تمويل الجامعات.
ومن أجل تبديد أجواء القلق والخوف التي تؤثر على الطلاب الأجانب، تبعث جامعة هارفارد رسائل إلكترونية تحت عنوان “اعرف حقوقك”، لإطلاعهم على سير الإجراءات القانونية لمواجهة أمور متعلقة بالمظاهرات وما شابهها، بالإضافة إلى تنظيم ندوات في الحرم الجامعي، والإجابة عن استفساراتهم.
تجنب العطلة
التقت الأناضول العديد من الطلاب الأجانب في حرم جامعة هارفارد، إلا أنهم لم يرغبوا في الحديث أمام الكاميرا، فقد تسبب اعتقال الطالبين الفلسطينيين محمود خليل ومحسن مهداوي والطالبة التركية رميساء أوزتورك، في بوسطن ومثولها أمام القضاء بهدف ترحيلها، على خلفية مشاركتها في مظاهرات داعمة لفلسطين، بإثارة حالة من الرعب بين جميع الطلاب الأجانب.
وفي حديث للأناضول، قال طالب فرنسي من أصل شمال أفريقي، فضل عدم الكشف عن اسمه، إن عائلته ستأتي لزيارته إلى الولايات المتحدة هذا الصيف، وإنه لا يريد الذهاب إلى فرنسا لقضاء العطلة.
وأضاف “نمرّ بأوقات عصيبة، وقد دعمتُ بعض الاحتجاجات في الجامعة بالتصفيق لها. وبطبيعة الحال، نشرتُ منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي ولم أحذف أيا منها، ولم أرتكب أي أعمال غير قانونية”.
وتابع “ولكننا لم نعد قادرين على التنبؤ بما قد يحدث في ظل هذه الظروف، ولن أغادر البلاد حتى يتضح المسار الذي ستتخذه الإدارة الأميركية”.
وأكد طالب السنة الثالثة في هارفارد عدم مغادرة الولايات المتحدة إلى أن ينهي سنته الأخيرة ويتخرج، ورغم أنه لم يحذف شيئا من منشوراته السابقة على مواقع التواصل الاجتماعي قال الطالب إنه لم يعد ينشر منشورات جديدة.
بدوره، يشاطر طالب إيطالي شعور الخوف مع زميله الفرنسي، وأوضح في حديث للأناضول، مفضلا عدم التقاط صورته، أن الإجراءات الأميركية تجاه المشاركين في الفعاليات الهادفة لرفع مستوى الوعي بشأن الانتهاكات في فلسطين والعالم باتت تشكل خطرا حتى الطلاب الوافدين من الدول ذات الغالبية المسيحية والأوروبية.
وأضاف أن “الخوف من إلغاء تأشيراتنا حقيقي ولا يمكننا الاستهانة به”، مبينا أن هذا الوضع يشكل خطرا أكبر بكثير على الطلاب المسلمين.
بينما يعتقد طالب وافد من إحدى البلدان العربية في جامعة هارفارد، أن الإدارة الأميركية تستخدم خوارزميات لتتبع الطلاب المتضامنين مع غزة.
وأضاف الطالب، مفضلا عدم الكشف عن هويته، أن بيانات الطلاب الأميركيين محمية بموجب القانون، في حين أن السلطات يمكنها الوصول إلى جميع معلومات وهواتف واتصالات ومواقع الطلاب الأجانب.
وأشار بيده إلى الكاميرات المنتشرة في الحرم الجامعي، مضيفا “يمكنهم اختراق هذه الكاميرات ومراقبتنا على مدار الساعة”.
مواجهة مع ترامب
تحتل جامعة هارفارد التي تجري أبحاثا عالمية المستوى بفضل التمويل الحكومي ومن الجهات المانحة، المرتبة الأولى في قائمة أفضل 10 جامعات في العالم.
وقررت إدارة ترامب تجميد 2.2 مليار دولار من التمويل، و60 مليون دولار من العقود الخاصة بجامعة هارفارد.
وفي أحدث تطور، أعلنت الإدارة الأميركية أنها بدأت تحقيقا للتأكد من أن المنح التي تزيد قيمتها على 8.7 مليارات دولار المقدمة من منظمات مختلفة لجامعة هارفارد استخدمت وفقا لقوانين الحقوق المدنية.
وتستخدم الإدارة الأميركية التخفيضات المالية والتحقيقات في الجامعات، للضغط على إدارات الجامعات لمنع المظاهرات الداعمة لفلسطين. كما تشهد إدارات تلك الجامعات معركة قضائية مع إدارة ترامب من خلال رفع دعاوى قضائية متبادلة في هذا الإطار.
ومع ذلك، وبحسب الطلاب، فإن التطور الأهم الذي يقمع حرية التعبير في الجامعات يتمثل بإلغاء التأشيرات وإجراءات الترحيل التي تنفذها الإدارة الأميركية ضد الطلاب الذين يتظاهرون دعما لفلسطين.
وبدعم أميركي تشن إسرائيل، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حرب إبادة جماعية في غزة خلفت نحو 168 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.