بيروت- في بلدة رومية بلبنان، شهدت ساحة ثانوية الراهبات الأنطونيات الكاثوليكية حدثًا فريدًا من نوعه: افتتاح أكبر شجرة ميلاد مصنوعة من الصابون البلدي في العالم. هذا العمل الفني، الذي يزن أكثر من طنين، ليس مجرد زينة احتفالية، بل هو رسالة أمل ووحدة في ظل الأزمات المتتالية التي يواجهها لبنان، ومحاولة لإحياء الحرف التقليدية.
افتتحت الشجرة في حفل حضره ممثلون عن الكنيسة الكاثوليكية وشخصيات دينية من الطائفتين السنية والشيعية، بالإضافة إلى فعاليات تربوية وبلدية وأهالي المنطقة. وقد أقيم الاحتفال تحت عنوان “ميلاد يصنع مواطناً”، مما يعكس الهدف الأعمق من هذه المبادرة: تعزيز قيم المواطنة والعيش المشترك في المجتمع اللبناني.
الصابون البلدي: رمز للوحدة والتراث اللبناني
صُنعت الشجرة بالكامل من الصابون البلدي اللبناني، بالتعاون مع خبراء من “خان الصابون” في قرية بدر حسون، وهي منطقة معروفة بتقاليدها العريقة في صناعة الصابون. استغرق العمل على هذه التحفة الفنية 45 يومًا، واستُخدمت مكونات طبيعية من مختلف المناطق اللبنانية، بما في ذلك الجنوب والبقاع وكسروان وجبل لبنان وعكار وطرابلس والشوف، لتجسيد خريطة مصغرة للوطن.
يأتي هذا المشروع في وقت يواجه فيه القطاع الحرفي اللبناني خطر الاندثار بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة. تهدف هذه المبادرة إلى تسليط الضوء على أهمية الحفاظ على هذه الصناعات التقليدية التي تشكل جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية والاقتصادية للبنان.
إحياء الحرف التقليدية
يعتبر “خان الصابون” معلمًا تاريخيًا وحرفيًا بارزًا في شمال لبنان، حيث يحافظ على تراث صناعة الصابون الطبيعي الذي يعود إلى قرون. لم يكن الخان مجرد مكان للإنتاج، بل منصة للحفاظ على هذه الحرفة وتطويرها مع الحفاظ على جوهرها القائم على المكونات الطبيعية والزيوت النباتية المحلية.
وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية، تمكن “خان الصابون” من الاستمرار في العمل وتحويل الصابون من مجرد منتج يومي إلى رمز ثقافي وإنساني يتجاوز الحدود.
رسالة إنسانية تتجاوز الاحتفال
لم يقتصر الحدث على الجانب الاحتفالي، بل امتد ليشمل مبادرة إنسانية ذات دلالة عميقة. فبعد انتهاء الاحتفال، أُعلن عن تقسيم شجرة الصابون وتوزيعها على دور الأيتام الإسلامية والمسيحية في مختلف المناطق اللبنانية. هذه الخطوة تعكس رغبة القائمين على المشروع في نشر البهجة والأمل بين الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع.
أكد أمير بدر حسون، المدير التنفيذي لشركة خان الصابون، أن هذه المبادرة هي “عمل يجمع ولا يفرق”، وأنها تحمل “رسالة عطرية تنطلق من قلب الشرق إلى العالم”. وأضاف أن اختيار زهر الليمون كعطر للشجرة يرمز إلى مدينة طرابلس، “مدينة العلم والعلماء”، ويعكس فكرة أن العطر هو “ذاكرة لا تُنسى”.
شارك طلاب مدرسة الأنطونية – رومية بشكل فعال في جميع مراحل المشروع، بدءًا من الفكرة وحتى التنفيذ، مما ساهم في تعزيز قيم المشاركة والعمل الجماعي لديهم. كما تم التأكيد على أهمية التربية على المواطنة وقيم العيش المشترك.
تأثيرات المبادرة المستقبلية
من المتوقع أن تلهم هذه المبادرة مشاريع مماثلة في مناطق أخرى من لبنان، وأن تساهم في إحياء الحرف التقليدية وتعزيز التنمية المحلية. كما يمكن أن تصبح شجرة الميلاد المصنوعة من الصابون البلدي معلمًا سياحيًا يجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.
يبقى التحدي الأكبر هو ضمان استمرار دعم القطاع الحرفي في لبنان، وتوفير الفرص اللازمة للشباب للانخراط في هذه الصناعات. وستراقب الجهات المعنية عن كثب تأثير هذه المبادرة على المجتمع والاقتصاد المحلي، وتعمل على تطوير استراتيجيات مستدامة للحفاظ على هذا التراث الثقافي الفريد.













