وأوضح شرماط، أن بعض النظريات تشير إلى التأثير المتزايد للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على البشر، بينما تركز أخرى على تفكيك مفهوم الإنسانية التقليدي، وتطرح نظريات عن ما بعد الإنسان، وتركز على الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية، وتأثيرها على مفهوم الإنسان، وتعتمد أدوات توليدية تساعد في إعادة التفكير في ما نعنيه بالإنسان في عصر معين، وتسلط الضوء على تحولات محتملة في مفهوم الإنسان وتأثيرها على المجتمع والثقافة.
وكشف أن نظرية (ما بعد الإنسانية) تطمح إلى تجاوز الحدود الطبيعية التي تحكم الإنسان وتقدير قدراته البيولوجية والعقلية، إذ تتضمن ما بعد الإنسانية تطورات في التكنولوجيات الدقيقة، التكنولوجيا الحيوية، صناعة علم المواد الحديثة، الاتصالات، صناعة الطائرات المدنية، الإنسان الآلي والماكينات التي تدار ذاتياً، الكمبيوتر (البرمجيات والتجهيزات)، ويراه تياراً فكرياً نشطاً يهتم بالتطور الحتمي للعلاقة بين جسم الإنسان والآلة، الذي أصبح ممكناً بفضل التقدم في العلوم والتكنولوجيا، إذ يؤدي إلى إصلاح وظائف الجسم، وإزالة قيود الشيخوخة وظهور نوع «ما بعد الإنسان»، الذي يمكن أن يصل عمره إلى 150 عاماً، وبعض علماء المستقبل يتصورون تراجع الموت بتحقيق شكل من أشكال الخلود.
وعزا الفيلسوف الألماني «بيتر سلوترديك» استخدام مصطلح ما بعد الإنسانية، عام 1999 في مؤتمر تم تخصيصه لـ(هايدجر ونهاية الإنسانية)، ويرى «سلوترديك»، أن تطور العلوم التكنولوجية يتطلب النظر في نظام جديد من القيم يرافق إنتاج كائنات جديدة، وإضفاء الشرعية على قوة أولئك الذين سيستفيدون من تقنيات التعزيز البشري، ما يعني دخول مرحلة انتقالية، إذ يمكن أن نعد مذهب ما بعد الإنسانية (شكلاً من أشكال تحسين النسل)، الذي يسعى إلى إقامة علاقات جديدة بين البشر والآلات، ما يؤدي إلى فقدان الجنس البشري لبعض امتيازاته وخصوصياته لصالح كائنات جديدة، يتم تطويرها بناءً على التقدم التكنولوجي.. لتعني «نهاية الإنسان» التي يشير إليها (ما بعد الإنسان) «الاختفاء المحتمل للجنس البشري من خلال التحول الجذري لحالته البيولوجية والفلسفية»، من خلال التحسين التكنولوجي، أو تعزيز البشر، والتدخلات في الجينوم الخاص بهم.
وعدّ تحديد ما هو فريد بالنسبة إلى الإنسان، يعني ضمنياً التفكير في جوهر الإنسان، بناءً على فكرة «الكرامة الإنسانية» أو مرة أخرى «الحياة كإنسان»، كون حركة الفكر التي يغطيها مصطلح «ما بعد الإنسانية» تُعلي شأن آليات عولمة الذات الذكورية الأوروبية، واستبعاد الآخرين، إذ يقوم فلاسفة ما بعد الإنسانية بتطوير نوع جديد من المادية يسمح لهم بإعادة النظر في علاقات القرب والاعتماد المتبادل بين البشر والطبيعة والتكنولوجيا.
وذهب إلى أن الأفكار ما بعد إنسانوية ترتكن إلى قوة سياسية، تحرك الموضوعات والأجساد والخطابات والمؤثرات، وتحرك الخطوط الفاصلة بين الإنسان والآلة، والذات الإنسانية تتشكل باعتبارها محايدة، فهي التي تميز أجساد الآخرين كآخرين، ولكنها لا تميز الآخر نفسه، لذلك لا نستطيع جميعاً أن نقول على وجه اليقين، إننا كنا دائماً بشراً، أو إننا مجرد بشر، البعض منا لا يعدّ إنساناً كاملاً اليوم، ناهيك عن تاريخ الغرب الاجتماعي والسياسي والعلمي، بل يمكننا أن نذهب إلى أبعد من ذلك لنقول إن حالة ما بعد الإنسانية ولدت مع إنسانية التنوير التي، على الرغم من ادعائها بالعالمية، تتشكل من استبعاد الآخرين.
وأضاف شرماط، أن مرحلة ما بعد الإنسان لا تعني حقاً نهاية الإنسانية، بل إنه مفهوم يشير إلى نهاية معينة للإنسان، وهو المفهوم الذي لا ينطبق إلا في أحسن الأحوال على جزء من البشرية التي كانت لديها الثروة والقوة وأوقات الفراغ، لتصور نفسها ككائنات، وإذا كانت الإنسانية الليبرالية بوصفها فلسفة سياسية وفكرية، تركز على حرية الفرد وكرامته وحقوقه، وتؤمن بأن الحرية الفردية والمساواة هما المبدآن الأساسيان لتحقيق العدالة الاجتماعية، فإن فلاسفة ما بعد الإنسانية، حطوا من مكانة الإنسان من خلال النظر إلى البشر في قربهم من الحيوانات والآلات؛ فعلم التحكم الآلي، باعتباره دراسة التنظيم الذاتي للأنظمة، أسهم في عدم وضوح التمييز بين الكائنات الحية والآلات.
لافتاً إلى «نوربرت وينر»، يرى أن علم التحكم الآلي يعتمد على فكرة أن الكائنات الحية وكذلك الآلات تعمل كأنظمة معلومات واتصالات تسعى إلى الحفاظ على درجة تنظيمها ضد الاتجاه العالمي نحو (الإنتروبيا)، أي نحو عدم التنظيم وتشتت الطاقة، ويتم ضمان الحفاظ على تنظيم النظام من خلال عمليات التحكم والتنظيم الذاتي التي يتم من خلالها إعادة إدخال المعلومات التي ينتجها النظام إليه من خلال عملية التغذية الراجعة، وتسمح هذه التعليقات للنظام بتنظيم عملياته المستقبلية بناءً على النتائج السابقة من أجل تحقيق الهدف المحدد، ويكسر التصميم السيبراني للأنظمة التمييز بين العضوي وغير العضوي؛ لأنه ينطبق بالتساوي على الإنسان أو الحيوان أو الآلة.