اكتشف فريق دولي من علماء الفلك ثلاثة كواكب بحجم الأرض تدور حول نظام نجمي ثنائي يسمى “توي 2267″، ويقع على بعد 190 سنة ضوئية من كوكبنا. هذا الاكتشاف، الذي قادته جامعة لييج البلجيكية، يقدم رؤى جديدة حول تكوين الكواكب في البيئات النجمية المعقدة، حيث كانت الاعتقادات السائدة تشير إلى صعوبة تشكل الكواكب في مثل هذه الأنظمة. ويعتبر هذا الاكتشاف خطوة مهمة في فهم تنوع الأنظمة الكوكبية في الكون.
تتكون الأنظمة النجمية الثنائية من نجمين يدوران حول بعضهما البعض بفعل الجاذبية المتبادلة، وهي ظاهرة شائعة للغاية. تشير التقديرات إلى أن حوالي نصف النجوم في سماء الليل تنتمي إلى هذه الفئة من الأنظمة. وبالتالي، فإن فهم كيفية تشكل الكواكب حول هذه النجوم الثنائية أمر بالغ الأهمية لإكمال الصورة الكاملة لتكوين الكواكب.
اكتشاف يغير فهمنا لتكوين الكواكب
نشرت نتائج الدراسة في دورية “استرونومي آند استروفيزيكس”، وأشارت إلى أن وجود ثلاثة كواكب بحجم الأرض في نظام “توي 2267” يتحدى النماذج التقليدية لتكوين الكواكب. فقد كان يُعتقد سابقًا أن التفاعلات الجاذبية المعقدة في الأنظمة الثنائية ستعيق تراكم المواد اللازمة لتشكيل الكواكب.
أوضح الدكتور سيباستيان زونيغا-فرنانديز، الباحث في جامعة لييج والمؤلف الرئيسي للدراسة، أن الاكتشاف جاء نتيجة لتحليل دقيق لبيانات الرصد. وأضاف أن الإشارات التي تم رصدها من النظام الثنائي “توي 2267” كانت واضحة بما يكفي لتأكيد وجود الكواكب، على الرغم من التحديات التي فرضتها طبيعة النظام النجمي.
كيف تشكلت هذه الكواكب؟
يرجح الباحثون أن الكواكب في نظام “توي 2267” تشكلت بسرعة في بيئة مستقرة نسبيًا بالقرب من أحد النجمين. ويعتقدون أن كل نجم قد خلق “فقاعة” جاذبية تحمي الكواكب النامية من تأثيرات النجم الآخر. هذا يسمح بتراكم المواد وتشكيل الكواكب دون تدخل كبير من الجاذبية الخارجية.
بالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسة إلى أن مدارات الكواكب قد تكون مستقرة بسبب “رنين جاذبية” يعمل كإيقاع متكرر، مما يحميها من الاصطدامات أو القذف من النظام. هذا الرنين الجاذبي يساعد في الحفاظ على مدارات الكواكب في محاذاة دقيقة، مما يضمن استقرارها على المدى الطويل.
نظام “توي 2267”: ترتيب كوني فريد
ما يميز نظام “توي 2267” هو ترتيبه الكوكبي الفريد. فقد تم اكتشاف كوكبين يدوران حول نجم واحد، بينما يدور الكوكب الثالث حول النجم المرافق. وهذا يجعل النظام الثنائي “توي 2267” أول نظام ثنائي معروف يضم كواكب عابرة حول كلا النجمين، مما يجعله هدفًا مثاليًا للدراسات المستقبلية.
هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام فهم أفضل لتنوع الأنظمة الكوكبية في الكون. فقد يكون هناك العديد من الأنظمة الثنائية الأخرى التي تستضيف كواكب، ولكنها لم يتم اكتشافها بعد بسبب التحديات التي تفرضها طبيعة هذه الأنظمة.
مختبر طبيعي لدراسة الكواكب
يعتبر نظام “توي 2267” بمثابة “مختبر طبيعي” لدراسة تكوين الكواكب ونشأتها في الأنظمة الثنائية. فهو يوفر فرصة فريدة لاختبار حدود النماذج الحالية لتكوين الكواكب وفهم كيفية تطور الكواكب في البيئات الجاذبية المعقدة.
تُظهر هذه الدراسة أهمية البحث عن كواكب خارج المجموعة الشمسية في الأنظمة الثنائية، حيث قد تكون هذه الأنظمة أكثر شيوعًا مما كان يُعتقد سابقًا. كما تؤكد على ضرورة تطوير تقنيات رصد جديدة قادرة على اكتشاف الكواكب الصغيرة والبعيدة في هذه الأنظمة.
آفاق مستقبلية لدراسة الكواكب
الخطوة التالية في دراسة نظام “توي 2267” تتطلب استخدام تلسكوبات أكثر قوة، مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي والتلسكوبات الأرضية العملاقة. ستتيح هذه التلسكوبات قياس كتل الكواكب وكثافتها بدقة أكبر، وربما حتى تحليل تركيب غلافها الجوي.
من المتوقع أن توفر هذه الدراسات رؤى جديدة حول إمكانية وجود حياة على هذه الكواكب. فقد تكون بعض هذه الكواكب قادرة على دعم الحياة إذا كانت لديها غلاف جوي مناسب ووجود الماء السائل.
في الختام، يمثل اكتشاف الكواكب في نظام “توي 2267” إنجازًا علميًا كبيرًا يغير فهمنا لتكوين الكواكب. الدراسات المستقبلية باستخدام تلسكوبات متطورة ستساعد في الكشف عن المزيد من التفاصيل حول هذه العوالم البعيدة، وربما الإجابة على السؤال الأبدي: هل نحن وحدنا في الكون؟ من المتوقع أن يتم تحليل البيانات الجديدة من تلسكوب جيمس ويب خلال العام المقبل، مما قد يوفر معلومات إضافية حول تركيب هذه الكواكب.













