في رسالة من بيروت، قالت كيم غطاس التي تكتب لصحيفة “فايننشال تايمز” إن الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان تثير عددا من الأسئلة عن الحروب التي يمكن للمرء أن يتحملها في حياته، وعدد الأرواح التي يمكن احتواؤها مرة في العمر.
وفي تقريرها، سردت الكاتبة اللبنانية تجربتها في الحرب المستعرة حاليا في بلدها، وقالت إن تلك الأسئلة كانت تدور في خلدها في الساعات الأولى من ذلك الصباح حيث دوي الصواريخ الإسرائيلية وهي تدكّ الضاحية الجنوبية من بيروت، معقل حزب الله، التي لا تبعد سوى مسافة قصيرة بالسيارة عن شقتها.
وتذكرت أن هذه هي التجربة الخامسة التي تعيش فيها حملة عسكرية إسرائيلية على لبنان؛ فقد كانت الأولى عام 1978، والثانية في 1982 عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية بيروت وشاهدت خلالها المدينة وهي تحترق بينما كانت عائلتها تحتمي في شمال العاصمة.
وفي المرة الثالثة، أفادت بأنها كانت تحاول النجاة بجلدها من الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان طوال 15 سنة حتى عام 1990.
ثم في عام 2019 حدثت أزمة اقتصادية كبيرة، وفي 2020 وقع انفجار مرفأ بيروت الهائل.
وقالت إن الأمان نسبي؛ “فأنا لست في غزة، ولست في الضاحية” الجنوبية، لكن “الحرب في كل مكان حولي”، مشيرة إلى أن إسرائيل كانت تستهدف السيارات عندما كانت هي على الطريق السريع عائدة إلى بيروت بعد أن قضت بضعة أيام في الجبال.
وروت أن نادلا “شيعيا” في مدينة صور، لا يتعاطى السياسة، أخبرها -وهو على وشك البكاء- أنه رأى صورا لجنود إسرائيليين يحتسون القهوة في غرفة الجلوس بمنزل أجداده في قرية رامية على الحدود مع دولة الاحتلال. وقال إن الجنود دمروا أجزاء كبيرة من القرية، وبعد ذلك دُمّر منزلهم في صور عندما استهدفت الغارات مبنى سكنيا.
وتحدثت الكاتبة في رسالتها عن بائع خضراوات يعيش في شارع بأحد الأحياء التي تعرضت للقصف دون سابق إنذار. كان وجهه متجهما في صباح اليوم التالي، وكان شقيقه المجاور قد فقد زوجته وأطفاله.
وهناك شابة تعمل مساعدة باحث من منطقة النبطية، هربت عائلتها في اليوم الأول من القصف. وهي محظوظة لأنها وجدت ملجأ عند أحد أعمامها في بيروت، لكن لياليها لا تزال تتخللها أصوات القصف القريب.
وذكرت الكاتبة أنها كانت في أوروبا عندما قتلت الصواريخ الإسرائيلية الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، مضيفة أنها لم تكن ترغب في أن تبقى عالقة في فندق مع حقيبة يد، فقررت أن تستقل طائرة لتعود إلى بيروت.
“وذات مساء عند الغسق، وبينما كانت تتحدث على الهاتف، صرخت في دهشة عندما دوّى صوت انفجار قوي هزّ النوافذ. ظننت أن الوقت مبكرا جدا على وقوع غارة جوية، لا بد أنه دوي انفجار صوتي. بدأت الرسائل تنهال عليّ: هل أنت بخير؟ تحققت من الأخبار؛ لقد كان صاروخًا قريبا”.
وتضيف أن الضاحية الجنوبية كانت تبعد عنها مسافة 5 دقائق جنوبا، عندما سقط ذلك الصاروخ باتجاه الغرب.
وبعد أن أصبح الحي الذي تسكن فيه عالقا بين الضربات، تساءلت عما إذا كان الإسرائيليون قد شرعوا في قصف بيروت كلها. ولما لم تصدر تحذيرات بالإخلاء، أخذت مفاتيحها وخرجت.
ولخصت الكاتبة في آخر رسالتها الأسئلة المطروحة بنظرها، قائلة “هل أصبحت فاقدة الإحساس بالموت والدمار؟ هل كنت في حالة إنكار؟ أم كنت أعتقد أن هذه قد تكون آخر مرة أشارك فيها وجبة مع صديق؟ أعرف الحرب جيدًا، وأعرف كل الأسئلة التي تثيرها، والتي لا نجد لها إجابة شافية. متى تنتهي؟ وهل ستكون هذه هي الحرب الأخيرة؟”.