استعر سباق الهواتف الذكية في السنوات الماضية، وأصبحت الشركات تتسابق من أجل طرح أقوى الهواتف ذات المزايا الكاملة والمتنوعة، لدرجة أن العديد من الهواتف الذكية أصبحت بقوة الحواسيب المحمولة وقادرة على تشغيل كافة مزاياها دون عناء.
ووسط هذا السباق، اتخذت بعض الشركات اتجاهًا معاكسًا، فبدلًا من التسابق للوصول إلى أقوى هاتف ذكي ذي ميزات كاملة، قامت بعض الشركات بطرح هواتف تفتقر إلى العديد من الميزات التي أصبحت افتراضية في هواتف اليوم مثل منصات التواصل الاجتماعي والوصول المستديم للإنترنت.
وبشكل مفاجئ، وجدت هذه الهواتف الغبية كما يطلق عليها رواجًا واسعًا بين أبناء الجيل “زد” بعكس الأجيال الأكبر سنًا الذين عاصروا مثل هذه الهواتف في صغرهم وأصبحت حياتهم العملية الآن ترتبط بهذه الهواتف أكثر من السابق.
لماذا النفور من الهواتف الذكية؟
عام 2024، حازت كلمة “عفن الدماغ” (Brain Rot) على جائزة كلمة العام من جامعة “أكسفورد” مما يمثل اعترافًا بأهميتها وأثرها في الوقت الحالي، في إشارة إلى فقدان الشغف والاهتمام بالأشياء التي تطلب تركيزًا ممتدًا، لتعكس قصر دورة الاهتمام الخاصة بأبناء الجيل الجديد.
وبحسب الدراسات، فإن الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي قد ساهمت في ولادة هذه الحالة بشكل كبير، وهذا ما دفع بعض المستخدمين ومن خلفهم الشركات التقنية لتبني تقنية الهواتف الغبية ومحاولة جعلها عصرية.
وتتيح هذه الهواتف للمستخدمين استعادة السيطرة على حياتهم الرقمية دون خسارة الجوانب التي أصبحت ضرورية في عالمنا المعاصر، فربما لا يمكنك الاستغناء عن تطبيقات الخرائط أو البودكاست والموسيقى، ولكن يمكنك الاستغناء عن تطبيقات التواصل الاجتماعي بشكل أكيد.
وفي مدونتها، تصف شركة “بونكت” (Punkt) منتجاتها من الهواتف الغبية أنها تتيح للمستخدمين فرصة استعادة التوازن والوصول إلى حياة رقمية أكثر صحة وأقل ضغطًا وتطلبًا من المستخدم، كما تؤكد أنها تملك قاعدة واسعة من المستخدمين تتضمن المصورين والرياضيين الهامين إلى جانب رواد الأعمال ومؤسسي الجمعيات غير الربحية وحتى بعض مصممي المنتجات الرقمية ومصممي الواجهات إلى جانب مديري التسويق الرقمي، في إشارة إلى أن هواتفها قابلة للاستخدام من كل فئات المجتمع.
صعود الهواتف الغبية
يمثل استخدام وصف هواتف غبية اختصارًا مجحفًا بحق هذه المنتجات التقنية، فبينما لا تملك كافة مزايا الهواتف الذكية المعتادة، فإنها تأتي مع مجموعة من المزايا الذكية مثل تطبيقات الخرائط والاتصال بالإنترنت وتطبيقات المكالمات وسماع الموسيقى والبودكاست وحتى تطبيقات التقاط الصور في بعض الحالات.
ولكن لغياب قدرتها على الدخول للإنترنت واستخدام المتصفحات أو تطبيقات التواصل بشكل عام، آثر المستخدمون تسميتها بهذا الاسم، وهي إشارة إلى الأجيال القديمة من الهواتف التي لم تكن تحمل بداخلها مزايا التواصل المعاصرة.
ووفق تقرير نشرته شركة “كاونتر بوينت” (Counterpoint) فإن مبيعات الهواتف الغبية بالولايات المتحدة عام 2023 وصلت إلى 2.8 مليون وحدة، مع توقعات بتخطي هذه المبيعات في السنوات التالية خاصةً مع تطور هذه الهواتف وتقديم بعض المزايا الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها.
ويعكس محرك بحث “غوغل” هذا الاهتمام أيضًا، إذ يظهر صعودًا في معدل البحث عن كلمة الهواتف الغبية بشكل مطرد خلال السنوات الماضية، ومن المتوقع أن يزداد هذا المعدل مع استمرار الشركات في طرح طرز جديدة من هذه الهواتف ورواجها بشكل مستمر.

طرز عديدة من الشركات
طرحت الشركات في السنوات الماضية العديد من الهواتف الغبية التي تقدم مجموعة متباينة من المزايا والتي تركز جميعها على تجربة استخدام سلسة بعيدة عن ضوضاء منصات التواصل والهواتف الذكية، ويمكن القول إن كل هاتف موجه لنوع من المستخدمين بعينه.
وفي مقدمة هذه الهواتف، يأتي “لايت فون 3” (Light Phone III) الذي يعد الطراز الأحدث من الشركة الناشئة في بروكلين، والذي يأتي مجردًا من الميزات التي تشتت المستخدم وتسبب في الضغط باستمرار، فرغم كون الهاتف قادرًا على التقاط الصور وفتح تطبيق الخرائط وإرسال الرسائل النصية المعتادة وحتى الاتصال هاتفيًا، فإنه يفتقر لمزايا التواصل وحتى متصفح الإنترنت.
ويقول كايوي تانغ، الرئيس التنفيذي لشركة لايت (Light) إن الغرض الرئيسي من هاتفهم هو سهولة استعماله عندما تحتاجه فقط، وفي غير هذا لن يقدم لك أي مزايا حقيقية، ومن الجدير ذكره أن الشركة قد طرحت عددًا كبيرًا من الهواتف الغبية خلال السنوات التسع الماضية.
ويشبه “لايت فون 3” الهواتف المعتادة في التصميم، ولكنه مع شاشة سوداء ويدعم استخدام القلم الذكي مع الشاشة لكتابة الملاحظات، وبينما يعد تصميم “لايت فون 3” الأبرز والأكثر رواجًا بين محبي الهواتف الغبية فإن بعض الشركات تقدم تصميمات أخرى، مثل “بونكت” التي تملك هاتفًا معتادًا مع أزرار وشاشة صغيرة، كما تقدم طرازًا قابلًا للطي.
وهناك هواتف أخرى تأتي مع تصميم مشابه أكثر للهواتف المعتادة مع شاشة ذات ألوان، وذلك مثل هاتف “غوست فون 4” (Ghost Phone 4) من شركة “سنيل” (SNELL) أو “وايز فون 2” (WisePhone II) من شركة “تيك ليس” (Techless).
مواصفات رائدة رغم غياب الميزات
ورغم أن هذه الهواتف تأتي بدون الميزات المعتادة التي تستهلك موارد الجهاز، فإن الشركات لم تبخل من جانب المواصفات، وعمدت إلى إضافة عتاد ومواصفات رائدة رغم أن المستخدم عادةً لن يحتاج لكل هذه المزايا.
وربما يعد “لايت فون 3” أبرز مثالًا على هذا، فهو يأتي مع مستشعر بصمة وشريحة “إن إف سي” (NFC) وكاميرا أمامية وشاشة “آموليد” (AMOLED) بحجم 4 بوصات تقريبًا مع مساحة تخزين تبلغ 128 غيغابايت وذاكرة عشوائية 6 غيغابايت.
وكذلك “غوست فون 4” الذي يأتي مزودًا بكاميرا خلفية قادرة على التقاط صورة بدقة “4 كيه” (4K) وتقريب بصري حتى 8 أضعاف مع زاوية واسعة تصل إلى 120 درجة ومعدل تحديث شاشة 90 هرتز، إلى جانب مساحة تخزين 128 غيغابايت ومساحة ذاكرة عشوائية 8 غيغابايت.
ويضمن هذا العتاد تجربة رائدة للمستخدم مع الحفاظ على سلاسة النظام المخصص للهاتف، وهو ما يضمن للمستخدم أنه لم يخسر كثيرًا في تجربة انتقاله للهواتف الغبية.
حلول أخرى
من المؤكد أن الضغط المستمر من منصات التواصل والوجود طوال اليوم يتسبب في ضغط عصبي كبير على المستخدم، فضلًا عن خفض معدل التركيز الخاص به، وهذا ما يجعل مثل هذه الهواتف حلًا منطقيًا وملائمًا لمتلازمة عفن الدماغ.
ولكن، يمكن محاكاة تجربة الهواتف الغبية في الهواتف الذكية المعتادة عبر إضافات بسيطة، سواءً كانت شريحة “إن إف سي” مثل “إنبلاغ تاغ” (Unplug Tag) التي تعمل على حظر استخدام كافة تطبيقات التواصل في الوقت الذي تختاره، وبالطبع يمكن التحكم في آلية الحظر كما ترغب.
وهناك تطبيقات أيضًا توفر التجربة ذاتها، إذ يمكنك عبر استخدامها إلغاء الوصول إلى متاجر التطبيقات ومنصات التواصل وحتى الألعاب ومتصفح الإنترنت مباشرةً من الهاتف دون الحاجة إلى استبدال الهاتف.