بدأ الغطاء الجليدي في غرينلاند في الانكماش بوتيرة متسارعة منذ تسعينيات القرن الماضي، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية الناتج عن الأنشطة البشرية وحرق الوقود الأحفوري. وتكشف دراسة حديثة نشرتها مجلة “نيتشر” أن معدل فقدان الجليد في غرينلاند أسرع مما كان متوقعًا، وأن حوالي 20% من حوافها الجليدية قد اختفت خلال الأربعة عقود الماضية، وهو ما يثير قلقًا بالغًا بشأن تنظيم درجات الحرارة العالمية.
تعتبر الأنهار الجليدية كتلاً جليدية ضخمة تتشكل عبر آلاف السنين نتيجة تراكم الثلوج وضغطها. وعلى الرغم من مظهرها الثابت، إلا أنها تتحرك ببطء بفعل الجاذبية، وتشكل التضاريس وتنقل الرواسب. في الظروف المناخية المستقرة، يكون هناك توازن بين تراكم الجليد وفقدانه، ولكن الاحتباس الحراري يخل بهذا التوازن.
الغطاء الجليدي في غرينلاند يتقلص بمعدل غير مسبوق
أظهرت الدراسة أن جزءًا كبيرًا من فقدان الجليد كان غير مرئي بسبب صعوبة الوصول إلى بعض المناطق، مثل المضايق والمنخفضات الجليدية. استخدم الباحثون مئات الآلاف من صور الأقمار الصناعية لرصد تراجع الأنهار الجليدية بين عامي 1985 و 2022.
وباستخدام تقنيات التعلم الآلي، تمكنوا من مراجعة تقديرات فقدان الكتلة الجليدية، وكشف أنماط تراجع الأنهار الجليدية التي تغطي 87% من إجمالي مساحة الغطاء الجليدي، وتمثل 90% من كتلته. وقد تبين أن التقديرات السابقة لفقدان الكتلة الجليدية في غرينلاند، والتي كانت تقدر بـ 5 تريليونات طن، أقل بنسبة 20% من الواقع.
ووفقًا للدراسة، فقدت غرينلاند أكثر من 1034 غيغا طن من الجليد بسبب الانهيارات الجليدية، وهو ما لم يتم تضمينه في الحسابات السابقة. كما أن 179 من أصل 207 أنهار جليدية شملتها الدراسة قد تقلصت بشكل ملحوظ منذ عام 1985.
تأثير التغيرات الموسمية
أظهرت الأبحاث أن الأنهار الجليدية البحرية في غرينلاند، وهي الأكثر تأثرًا بالتغيرات الموسمية، هي أيضًا الأكثر حساسية للاحتباس الحراري. تنمو هذه الأنهار الجليدية خلال فصل الشتاء البارد وتنحسر خلال فصل الصيف الدافئ، ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة، يزداد معدل الانحسار.
سجل نهر زاكاريا إستروم الجليدي في شمال شرق غرينلاند أكبر خسارة في المساحة والكتلة الجليدية، حيث فقد 980 كيلومترًا مربعًا و 160 غيغا طن على التوالي.
العواقب المحتملة لذوبان الجليد
يحذر العلماء من أن ذوبان الجليد في غرينلاند يهدد التيارات المائية في المحيط الأطلسي، والتي تلعب دورًا حاسمًا في تنظيم المناخ العالمي. مع استمرار الذوبان، قد تضعف هذه التيارات، مما يؤدي إلى فصول أكثر تطرفًا وموجات برد حادة.
بالإضافة إلى ذلك، يعتمد مئات الملايين من الأشخاص حول العالم على مياه الذوبان الموسمية من الأنهار الجليدية كمصدر للمياه العذبة. اختفاء هذه الأنهار الجليدية سيؤدي إلى تفاقم مشكلة الجفاف.
ويرتبط ذوبان الجليد بارتفاع مستوى سطح البحر، مما يهدد المجتمعات الساحلية والجزرية. تشير التقديرات إلى أن ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند ساهم بأكثر من 20% في ارتفاع مستوى سطح البحر منذ عام 2002.
وتشير التوقعات إلى أن ذوبان الجليد قد يرفع مستوى سطح البحر بما يصل إلى متر بحلول عام 2100، وإلى 5 أمتار بحلول عام 2300، إذا لم يتم الالتزام بأهداف اتفاقية باريس للمناخ.
مؤشرات مقلقة في القطب الشمالي
يشهد القطب الشمالي ارتفاعًا في درجة الحرارة أسرع بأربع مرات من بقية الكوكب. وقد سجل القطب الشمالي أدفأ صيف له على الإطلاق في عام 2023، مما أدى إلى تسارع ذوبان الجليد.
كما أن ارتفاع درجة حرارة المحيطات، التي امتصت نحو 90% من الحرارة الزائدة الناتجة عن الأنشطة البشرية، يلعب دورًا رئيسيًا في ذوبان الجليد. وتشير الأبحاث إلى أن التغيرات في الدورة المحيطية الأطلسية وذوبان الصفائح الجليدية يمثلان تهديدًا غير مسبوق للبشرية.
من المتوقع أن تستمر الأبحاث في رصد وتقييم معدل ذوبان الجليد في غرينلاند والقطب الشمالي. وستركز الدراسات المستقبلية على فهم تأثير ذوبان الجليد على التيارات المائية وأنماط الطقس العالمية، وتقدير المخاطر المحتملة على المجتمعات الساحلية.
سيتم نشر تقارير دورية حول التطورات في هذا المجال، وستُعرض النتائج على المؤتمرات الدولية والمنظمات المعنية بالتغيرات المناخية. من الضروري مواصلة الجهود الدولية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة والتكيف مع آثار تغير المناخ.













