اجتمع حوالي 2000 شخص في موقع نيوجرانج الأثري في مقاطعة ميث بإيرلندا في 21 ديسمبر للاحتفال بـ الانقلاب الشتوي، وهو حدث فلكي وثقافي هام. شهد الزوار هذه الظاهرة الطبيعية النادرة التي تشير إلى أطول ليلة وأقصر يوم في السنة، حيث تتسلل أشعة الشمس إلى قلب القبر الممرّي القديم. يعتبر نيوجرانج أحد المواقع الأثرية الهامة في أيرلندا، ويشتهر بتصميمه الفلكي الدقيق.
يقع نيوجرانج ضمن مجمع برونا بوين، وهو موقع تراث عالمي لليونسكو. وقد تم بناء هذا الهيكل الحجري الضخم قبل أكثر من 5000 عام، أي في العصر الحجري الحديث، وهو أقدم من الأهرامات في مصر وستونهنج في إنجلترا. يتميز هذا الموقع بتصميمه الذي يسمح بدخول ضوء الشمس إلى الحجرة الداخلية أثناء الانقلاب الشتوي، مما يجعله وجهة شهيرة للاحتفال بهذا اليوم.
أهمية الاحتفال بالانقلاب الشتوي في نيوجرانج
يعتبر الانقلاب الشتوي علامة فارقة في العديد من الثقافات القديمة، حيث يرمز إلى إعادة ميلاد الشمس وبداية دورة جديدة. بالنسبة لمجتمعات العصر الحجري الحديث، كان هذا الحدث بالغ الأهمية لتحديد مواعيد الزراعة والاحتفالات الدينية. نيوجرانج، بتركيبته الفلكية، يمثل إرثًا حيًا لهذه المعتقدات والممارسات.
تحديات رؤية شروق الشمس
على الرغم من التوقعات، لم يكن شروق الشمس واضحًا تمامًا هذا العام. وفقًا لتقارير الأرصاد الجوية، غطت سحابة منخفضة الأفق الشرقي، مما أعاق الرؤية المباشرة للشمس. ومع ذلك، نجح جزء من الضوء في اختراق صندوق السقف، مما سمح للزوار برؤية الظاهرة المرئية.
تم اختيار 14 شخصًا فقط للدخول إلى الحجرة الداخلية أثناء لحظة شروق الشمس، وهم مرشدان سياحيان وستة فائزين في يانصيب أقيم لهذه المناسبة، بالإضافة إلى مرافق لكل منهم. وقد أتاحت هذه الفرصة لهم تجربة فريدة من نوعها داخل هذا الموقع الأثري الهام. وبعد انقشاع السحب، استمر الزوار بالتدفق لدخول الحجرة.
تاريخ نيوجرانج وأبعاده الثقافية
تم اكتشاف موقع نيوجرانج في عام 1699، ومنذ ذلك الحين، أصبح مركزًا للدراسات الأثرية والفلكية. تشير الدراسات إلى أن الموقع لم يكن مجرد مقبرة، بل كان أيضًا مركزًا دينيًا واجتماعيًا هامًا. يعتقد الأثريون أن الانقلاب الشتوي كان مرتبطًا بطقوس الخصوبة وتجديد الحياة.
يتميز القبر الممرّي بهيكل معقد يتكون من ممر طويل يؤدي إلى حجرة مركزية. تم تزيين الجدران الداخلية بنقوش صخرية معقدة ذات رموز غامضة، مما يشير إلى معرفة متقدمة بعلم الفلك والرياضيات. بالإضافة إلى نيوجرانج، يضم مجمع برونا بوين العديد من القبور الممرّية الأخرى، مثل نوث وكناوث، مما يجعله منطقة ذات أهمية تاريخية وثقافية استثنائية.
تتبنى وزارة التراث الأيرلندية جهودًا للحفاظ على موقع نيوجرانج والتراث الثقافي المرتبط به. وتشمل هذه الجهود إجراء دراسات أثرية منتظمة، وتنفيذ مشاريع ترميم للحفاظ على الهيكل الأصلي، وتوفير الوصول العام إلى الموقع مع ضمان حمايته من التلف. يعتبر السياحة الثقافية أحد أهم مصادر الدخل للمنطقة، حيث يزور نيوجرانج الآلاف من السياح كل عام.
تأثير الظروف الجوية على المشاهدة
تعتبر الظروف الجوية عاملاً حاسماً في رؤية ظاهرة شروق الشمس في الانقلاب الشتوي. اعتمادًا على الغطاء السحابي ووضوح الأفق، قد تختلف قوة ووضوح الضوء الذي يتسلل إلى الحجرة الداخلية. كما أن توقيت شروق الشمس الدقيق يمكن أن يختلف قليلاً من عام إلى آخر بسبب التغيرات الطفيفة في مدار الأرض. ويؤكد الخبراء على أهمية التخطيط المسبق لمراقبة التوقعات الجوية لزيادة فرص رؤية هذه الظاهرة الطبيعية.
المستقبل والتحديات المستمرة
تتطلع وزارة التراث الأيرلندية إلى استكشاف المزيد من الأسرار التي يخفيها موقع نيوجرانج من خلال المزيد من الأبحاث والدراسات. كما أنها تعمل على تطوير البنية التحتية للموقع لتحسين تجربة الزوار وتوفير الوصول بشكل أفضل للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. تتضمن الخطط المستقبلية إنشاء مركز زوار جديد يقدم معلومات شاملة عن تاريخ وأهمية نيوجرانج.
ومع ذلك، تواجه الجهات المعنية تحديات مستمرة فيما يتعلق بالحفاظ على الموقع وحمايته من التآكل البيئي. تعتبر الرطوبة والتغيرات في درجات الحرارة من العوامل التي يمكن أن تؤثر سلبًا على حالة النقوش الصخرية والهيكل العام للقبر الممرّي. يجب على القائمين على الموقع اتخاذ تدابير وقائية صارمة لضمان بقاء هذا الكنز الأثري للأجيال القادمة. من المتوقع صدور تقرير مفصل من الوزارة حول خطط الحفاظ على الموقع بحلول نهاية الربع الأول من العام المقبل.












