الدوحة- نظمت مؤسسة الحي الثقافي “كتارا” عرضا خاصا للفيلم اليمني “المرهقون”، مساء أمس الثلاثاء، بالتعاون مع السفارة اليمنية في قطر.
ولاقت الفعالية اهتماما واسعا وشهدت حضورا متنوعا من الجاليات العربية، وهدفت إلى تسليط الضوء على جانب من حياة ملايين اليمنيين الذين يعيشون أزمات إنسانية واقتصادية صعبة منذ سنوات.
فعالية متميزة نظمتها مؤسسة الحي الثقافي، كتارا@kataraqatar في قطر بالتعاون مع السفارة جرى خلالها عرض فيلم “المرهقون” للمخرج اليمني عمرو جمال والذي سلط الضوء على ظروف الحياة الشاقة للأسر اليمنية جراء الأزمة الانسانية والاقتصادية التي تعصف ببلادنا منذ سنوات.
أشكر مؤسسة الحي الثقافي… pic.twitter.com/pIKO8d4hGt— Rajeh Badi راجح بادي (@AmbRajehBadi) November 5, 2024
“المرهقون”.. تجسيد لمعاناة اليمنيين
يستند فيلم “المرهقون” من إخراج عمرو جمال إلى أحداث حقيقية، ويسرد تفاصيل معاناة أسرة يمنية من الطبقة المتوسطة في مدينة عدن عام 2019. تجبر الأسرة على مواجهة خيار صعب حين تكتشف الأم حملها الرابع، وسط ظروف اقتصادية قاسية بعد فقدان الوالدين وظيفتيهما نتيجة الانهيار الاقتصادي.
وبينما يرمز الإجهاض في الفيلم إلى المستقبل القاتم والأحلام التي تعوقها الأوضاع الصعبة، يلامس العمل مشاعر وآمال الأسر اليمنية العادية، ويقدم نظرة مؤلمة على الكفاح اليومي لأناس يعانون الفقر وضيق الأفق، لكنهم يتمسكون بالأمل.
“المرهقون”، الذي صدر عام 2023، حصد سلسلة من الجوائز التي أكدت جودة العمل وتأثيره الإنساني، فقد بدأ رحلته في فبراير/شباط الماضي من مهرجان برلين السينمائي الدولي، حيث حاز على جائزة منظمة العفو الدولية “أمنستي إنترناشونال” عن تأثيره الإنساني، إلى جانب المرتبة الثانية في جائزة تصويت الجمهور في قسم البانوراما، بعد منافسة قوية شارك فيها أكثر من 22 ألف شخص.
وتوالت التكريمات بعد ذلك، إذ حصل الفيلم على جائزتي أفضل مخرج وأفضل سيناريو في مهرجان فالنسيا السينمائي الدولي، بالإضافة إلى جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل فيلم في مهرجان تايبيه السينمائي الدولي بتايوان، مما وضع السينما اليمنية على خارطة المهرجانات الدولية.
صناعة سنيمائية وسط العواصف
وواجه المخرج اليمني عمرو جمال وفريقه تحديات هائلة لإنتاج هذا الفيلم في اليمن، البلد الذي يفتقر إلى بنية تحتية لصناعة السينما.
ورغم أن عدن كانت من المدن الرائدة في استضافة دور العرض السينمائي في الثلاثينيات، فإن هذه الصناعة تراجعت بشكل كبير منذ الثمانينيات بسبب الظروف السياسية.
يشير جمال إلى أن مجرد تصوير الفيلم في شوارع عدن كان تحديا، في ظل صعوبة التنقل وانعدام الكهرباء والخدمات الأساسية. ولم يكن من السهل أيضا توفير كوادر فنية متخصصة، إذ إن اليمن لم يشهد تدريبا مكثفا للعاملين في السينما لسنوات عديدة.
ورغم هذه الصعوبات، فإن فيلم “المرهقون” تلقى دعما إنتاجيا من عدة جهات سينمائية دولية، منها مهرجان البحر الأحمر السينمائي ومهرجان كارلوفي فاري للأفلام، مما ساهم في إتمام المشروع دون المساس برسالة الفيلم.
ونال فيلم “المرهقون” استحسانا واسعا في المهرجانات الدولية، إذ عبّر عديد من المشاهدين عن إعجابهم بصدق القصة وأهمية الرسالة الإنسانية التي يحملها. لاقى الفيلم استقبالا حارا من الجمهور الذي لم يعتد مشاهدة قصص يمنية على الشاشة الكبيرة، إذ يقدم الفيلم فرصة نادرة لتعرف العالم على ملامح الحياة اليومية لليمنيين.
وبالنسبة لعمرو جمال، كان من الأهمية بمكان أن يكون فيلمه ليس مجرد نافذة على واقع اليمن، بل عملا فنيا يستدرج المشاهدين إلى التفاعل مع شخصياته وأحداثه.
جمال أبدع في تجسيد القصة بلغة سينمائية هادئة بعيدا عن الميلودراما، فاختار زوايا تصوير واسعة وثابتة تتيح للمشاهدين تأمل الشخصيات والمكان، مما منح مدينة عدن دور البطولة إلى جانب أبطال القصة. كذلك اعتمد جمال على اللقطات الطويلة التي تمزج الشخصيات بالمكان، ليرسم مشهدا دافئا يعكس التناقض بين جمال عدن وسحرها، والواقع القاسي الذي يكابده سكانها.
بهذا النجاح، يفتح “المرهقون” آفاقا جديدة أمام السينما اليمنية، ويعطي دفعة لقصص منسية تحتاج لمن يرويها للعالم، ويشجع صناع الأفلام اليمنيين على الانطلاق من واقعهم وبيئتهم لنقل تجاربهم الفريدة إلى السينما العالمية.