على مدار خمسة عقود هي مسيرة ممتدة للفنان المصري الراحل فؤاد المهندس استطاع أن يصبح خلالها أحد أساطير الكوميديا والفن المصري والعربي، فالمهندس الذي يحتفى اليوم السادس من سبتمبر/أيلول بمئوية ميلاده، أثرى المكتبة الفنية بعشرات الأعمال في السينما والتلفزيون وعلى خشبة المسرح وأمام ميكروفون الإذاعة، تجاوزت الـ160 عملا بدأها من “سنيد” (مساعد) البطل وحتى سطوع نجمه في مرحلة الستينات من القرن الماضي وتقديمه للبطولة المطلقة ليصبح نجم الكوميديا الأولى في تلك المرحلة.
النجاح الكبير الذي حققه “الأستاذ” وهو أحد ألقاب فؤاد المهندس، الملقب أيضا بسفير الكوميديا الراقي، مر بالعديد من الكواليس والعقبات التي شكلت جزءا هاما من رحلته ومسيرته الفنية، سواء المؤثرين الذين تركوا بصمة في حياته الشخصية والمهنية، أو الظروف الحياتية التي أثرت عليه.
المؤثرون
تمتع فؤاد المهندس بالثقافة الشديدة على المستويين الفني والإبداعي وذلك بفضل نشأة فؤاد المهندس في منزل مهتم بالعلم والأدب، فوالده هو المعلم زكي المهندس وهو صديق عمر عميد الأدب العربي طه حسين، وكان المهندس “الأب” مهتما بالعلم والثقافة وكان يتنبأ لنجله فؤاد بمستقبل باهر، واهتم بتثقيفه وكان يشجعه على قراءة ما يتناسب مع مرحلته العمرية.
أستاذه الثاني كان محمد محمود شعبان “بابا شارو” زوج شقيقته صفية المهندس، الذي لمس فيه الموهبة منذ الطفولة فقدمه في برامج الأطفال وغنى “أبو الفصاد” وعدد من الأغنيات في برامج الأطفال، ويقول فؤاد المهندس عن هذه المرحلة أن زميلته كانت الإذاعية المعروفة لاحقا آمال فهمي التي كانت تقوم بدوري السمانة واليمامة.
ومن الإذاعة كانت الانطلاقة والبذرة نجوم فن التقليد والتمثيل والغناء والتأليف الإذاعي.
إلى جانب موهبته في التمثيل والتقليد التي برزت أثناء دراسته المدرسية في مدرسة العباية الابتدائية، ومدرسة فاروق الأول الثانوية، وأثناء هذه المرحلة قام برحلة مدرسية إلى حديقة الحيوان، وكان يقلد الحيوانات بالحركة والصوت مثل القرود والفيلة والكنغر وسيد قشطة والأسد.
وكما تأثر فؤاد المهندس بوالده وبابا شارو، كان معجبا ومتأثرا بنجمي الكوميديا من نجوم الشاشة العالمية، الأول هو غروتشو ماركس أحد ثلاثي أخوان ماركس، كان يقلده في حركاته البهلوانية الشهيرة مثل تحريك حاجبيه، والآخر هو تشارلي تشابلن الذي كان يقلده وهو يرتدي القبعة العريضة والبنطلون الممزق والعصا التي لا تفارق يده.
إلا أن العائق في تلك المرحلة كان رفض والده لامتهانه الفن واشترط عليه أن ينهي دراسته أولا، ويقول المهندس عن تلك المرحلة: “لم استطع أن أقاوم أو أخضع لأوامر والدي الذي كثيرا ما قسى علي وضربني وأهانني، ولما لم يجد سبيلا لإثناء عزمي عن أن أسلك طريق الفن. اشترط علي أن أنهي دراستي ثم اصنع ما أشاء، وهو الشرط الذي لم أقو على تنفيذه فكنت أتسلل من منزلنا ليلا سيرا على الأقدام دون أن يشعر بي أحد لأجلس في كواليس مسرح الريحاني”.
ويضيف المهندس أن هذه المرحلة هى التي شكلت تكوينه كممثل كوميدي وتعلم أن احترام الجمهور للفنان والمسرح كلما احترم الفنان عقلية الجمهور.
ووالدته التي كانت تنهال عليه ضربا بالعصا ليقلع عن تلك الحركات، حتى أنها في إحدى المرات حضرت مع أشقائه حفل مدرسي وبمجرد صعوده على المسرح طلبت منه النزول واحترم رغبتها.
ثنائي الحب والحياة
وفي أثناء دراسته الثانوية، أحب فؤاد المهندس ابنة الجيران السيدة عفت سرور نجيب، وهى زوجته الأولى التي تزوجها عام 1951، وأم ابنيه الوحيدين أحمد ومحمد، لكن القدر جعله يخوض تجربة الزواج الثاني بعد أن التقى بالفنانة شويكار على خشبة المسرح حيث تسلل الحب إلى قلبه أثناء التدريبات اليومية على العروض، وأثناء عرض مسرحية “أنا وهو وهى” طلبها للزواج أمام 800 مشاهد، وتحول التمثيل إلى حقيقة وتزوجا في نوفمبر/تشرين الثاني 1963، وهي الزيجة التي أثرت في مشواره حيث كونا ثنائيا فنيا، فقدما على خشبة المسرح “سيدتي الجميلة” و”حواء الساعة 12″، “أنا وهو وسموه”، و”أنها حقا عائلة محترمة” ، وفي السينما “مطاردة غرامية” و”فيفا زلاطا” و”أنت اللي قتلت بابايا” و”سفاح النساء” وغيرها من الأفلام والمسرحيات.
وعلى الرغم من انفصالهما عام 1980 بعد توتر العلاقة الزوجية بينهما، لكن ظلت الصداقة والعلاقة ممتدة حتى رحيله.
غسل الكعبة
في تصريح له اعترف فؤاد المهندس بالنظرة المجتمعية الدونية للعاملين في الفن، فقال: “حينما أعود بالذاكرة للوراء أحس بهذا الحب للفن الذي يحتويني ويملك مني زمامي على الرغم من أنني عشت مناخا اجتماعيا ملتزما في زمن كان فيه الفن إثما وجرما، يوضع “مرتكبوه” في مصاف الخارجين عن العرف الاجتماعي السائد، بل وينظر لهم المجتمع نظرة ازدراء ولا تؤخذ بشهادتهم في القضاء”.
لكن تلك النظرة تغيرت كثيرا لاحقا مع مرور السنوات، حيث شارك مع شقيقته الإذاعية صفية المهندس في غُسل الكعبة عام 1972 وصلى داخلها وذلك أثناء الاستعداد لموسم الحج، واعتبر المهندس في حوار له لإحدى الصحف العربية أن مشاركته يعد تكريما خاصا لكل الفنانين، كنت سعيد جدا، وبكيت عندما شاركت في غسل الكعبة ودخلت وصليت بداخلها”.
أحزان قبل الرحيل
يعد عام 2006 هو عام الحزن الذي طرق باب فؤاد المهندس عدة مرات، ففي مداخلة هاتفية لنجله محمد فؤاد المهندس لإحدى الفضائيات قال إن حريق شقة والده في هذا العام، الذي تسبب في التهام كل تاريخه الفني والمهني من تماثيل، جوائز وشهادات عجلت برحيله بعد أن عانى من اكتئاب وزهد في الحياة.
وقبلها في مايو/آيار، شعر المهندس بحزن شديد بعد رحيل الفنانة سناء يونس التي كان يعتبرها بمثابة ابنته، حيث قدما سويا عددا من الأعمال الناجحة أبرزها “سك على بناتك” و”هالة حبيبتي” و”حالة حب”.
وفي يوليو/تموز من العام نفسه، توفي صديق عمره الفنان عبد المنعم مدبولي حتى أن أسرته خشيت أن تنقل له الخبر الذي تسبب له في صدمة جعلت الأحزان تتراكم على قلبه الذي لم يحتمل كل هذا الفقد والألم فرحل عن عالمنا في السادس عشر من سبتمبر/أيلول 2006.