كانت فكرة صناعة جزء ثانٍ من المسلسل الكوري الجنوبي “لعبة الحبار” (Squid Game) لعام 2021 بمثابة مغامرة كبيرة من قِبَل صُنّاعه، إذ حقق الجزء الأول نجاحًا بدا أنه من المستحيل أن يتكرر لعمل غير ناطق بالإنجليزية. ووصل عدد مشاهدات الجزء الأول إلى 265 مليون مشاهدة الأيام التسعين الأولى من عرضه، لكن ما كان يُعدّ مغامرة تحوّل إلى نجاح أكبر من سابقه، إذ بلغ عدد مشاهدات الجزء الثاني 152.5 مليون مشاهدة منذ بداية عرضه.
وللمرة الثانية، تعود الأسئلة طازجة كأنها تُطرح لأول مرة حول أسرار النجاح غير التقليدي لمسلسل تبدو قصته أبسط بكثير من غيرها.
المال مقابل الحياة
يُعَدّ استخدام تقنيات ألعاب الأطفال وألعاب الفيديو واحدا من الأسباب التي أدت لهذا النجاح، إذ توقف الأطفال والمراهقون من لاعبي ألعاب الفيديو المنتشرين عبر جهات المعمورة الأربع عن اللعب لمشاهدة المسلسل باعتباره جزءًا من اللعبة، كما انضم اللاعبون السابقون، الذين انصرفوا عن ألعاب الفيديو بعد تجاوزهم سن المراهقة، لمشاهدة مسلسل يستعيد أيام الصِّبا.
لكن الأهم هو تلك التيمة التي اعتمد عليها الجزء الأول، وهي ضحايا الفقر الذين يقبلون المقامرة بحياتهم للخلاص من بؤسهم، ثم اتسعت الفكرة بالجزء الثاني لتشمل الطمع فيما هو أكثر من مجرد الخلاص من الفقر، ومن ثم محاولة كشف بنية القوة داخل مجموعة المقامرين وداخل مؤسسة المقامرة التي يدور حولها المسلسل.
استكمال القصة
تُعَدّ أحداث “لعبة الحبار 2” امتدادًا لأحداث الجزء الأول التي تدور حول أشخاص فشلوا في الحياة لأسباب مختلفة، فتصلهم دعوة غامضة للمشاركة في لعبة البقاء على قيد الحياة للفوز بأكثر من 38 مليون دولار أميركي. وتجري اللعبة على جزيرة معزولة، ويتم حبس المشاركين حتى يكون هناك فائز نهائي. وتتضمن القصة ألعاب الأطفال الكورية الشهيرة من السبعينيات والثمانينيات، مثل “لعبة الحبار” وهي الترجمة الحرفية لاسمها الكوري، وهي نوع من الألعاب التي تعتمد على الهجوم والدفاع عبر لوحة على شكل حبار مرسومة على التراب.
ويبدأ الموسم الثاني من حيث انتهى الأول، حين يخوض البطل “سيونغ جي-هون” الصراع لكشف منظّمي اللعبة، مدفوعًا بمزيج من الشعور بالذنب والغضب والرغبة في تحقيق العدالة، ويتسلل إلى المنظمة لكشف أسرارها وتفكيكها من الداخل. في حين ينجذب مشاركون جدد إلى المقامرة المميتة، ولكلٍّ منهم أسبابه اليائسة الخاصة. وتتشابك سرديات الجميع، مما يمنح القصة بعدا عالميا مع حبكة أكثر تعقيدا وإثارة.
ألعاب الفيديو
تجاوز الكاتب والمخرج هوانغ دونغ هيوك أسلوب السرد التلفزيوني التقليدي، وقدم في العمل مزيجا من تقنيات السرد المستوحاة من ألعاب الفيديو في طيات السرد القصصي التلفزيوني، فأضاف بذلك طاقة ترقى إلى دفع المشاهد للتحرك من مقعده في محاولة للتدخل في الحدث الدرامي، وبالتالي تحول العمل إجمالا إلى رحلة مشاهدة تفاعلية، وهو بذلك يقدم ما يشبه الحل العملي لفكرة الأعمال التفاعلية التي نفذت، بشكل مختلف، من قبل في مسلسل “المرآة السوداء” 2011 (Black Mirror) ولم تتكرر.
وكانت السمة الأبرز في العمل هي التدرج في مستويات الصعوبة، ومستوى الرهانات، فكلما تقدمت اللعبة نحو مرحلة جديدة، ازدادت الصعوبة. وتضاعف مبلغ الجائزة طبقا لعدد المقامرين الذين قتلوا أو كما يقال عنهم من قبل القائمين على اللعبة “تم إقصاؤهم”.
وكما يجد لاعب “الفيديو غيم” تعريفا باللعبة وقواعدها والبيئة المحيطة قبل البدء، فإن ألعاب المسلسل يتم تعريفها في بداية كل منها مع إرشاد المتسابقين لتشكيل تحالفات للفوز وخوض السباق، وهو ما ينشئ خصومات قد تمتد إلى خارج اللعبة بعد ذلك.
وصممت اللعبة بحيث يشهد منتصف الموسم مستوى مختلفا، إذ تختبر الحدة الذهنية والمرونة العاطفية، بالإضافة إلى القوة البدنية، وقد تكون متاهة عملاقة، أو لعبة جماعية. وفي اللعبة النهائية، يبدأ تجسيد فكرة الزعيم أو القائد في فرض نفسه على اللاعبين والمشاهدين من خلال توفير أجواء تجمع بين الشدة النفسية والمواجهة الجسدية.
ويبدو الأمر أكثر وضوحا في وجود خيارات للاعبين مع سلوكيات مشكوك فيها أخلاقيا، تتضمن الخيانة أو التخلي أو الخذلان، وغالبًا ما تجبر ألعاب الفيديو اللاعبين على اتخاذها، ولكن الموقف في العمل الدرامي يترك للاعب مساحة وهمية للاختيار.
وطبقا للقرارات التي يتخذها كل لاعب، فإنه ينجو أو يموت أو يتسبب في موت آخرين، وبعضهم يقتل بنفسه، أو ينقذ آخرين. وثيمة اللعبة نفسها مستوحاة من “ألعاب تقمص الأدوار” (Role-Playing Games) ويستلهم تصميم إنتاج “لعبة الحبار” في قسميه من بيئات ألعاب الفيديو، كما تنوع الساحات، وتتميز كل ساحة بشكل جميل ومختلف عن غيره.
![لعبة الحبار - squid game المصدر: IMDB](https://saudiwadi.com/wp-content/uploads/2025/02/لعبة-الحبار2-1735833968.jpg)
عين المقامر
وقد استخدم المخرج في أحيان كثيرة منظور لاعب ألعاب الفيديو نفسه في تصوير المشاهد، وهو يجعل المشاهد لاعبا وشريكا أساسيا في اللعبة، ويعكس التوتر النابع من أجواء الخطر، ويساهم في إيجاد ذلك التوتر تحديد وقت للفوز أو الخسارة في اللعبة والنجاة من الموت. وأيضا، الدفع بموارد محددة لكل لاعب، وكلها سمات تتعلق بألعاب الفيديو.
وتميزت حلقات الموسم الأول بألوان زاهية ومشاهد تميل إلى السريالية داخل اللعبة، بينما اتسمت المشاهد خارجها بطابع قاتم وبائس، في تعبير واضح عن الفقر باعتباره المحرك الأساسي وراء رهان الموت. واستمر هذا الأسلوب في الموسم الثاني، حيث أضفت ملابس الحراس المقنعين هالة من الغموض المقلق، بينما لعب التصوير التفصيلي للوجوه وكشف ردود الأفعال دورًا محوريًا في نقل المشاعر، مما أسهم في بناء الشخصيات وتعريف المشاهد بها، إضافةً إلى تمكينه من التنبؤ بتصرفاتها.
وإذا كان الموسم الأول من “لعبة الحبار” قد أذهل الجمهور بطرحه الجريء لنقد الرأسمالية، فإن الموسم الثاني استند إلى الفكرة ذاتها، لكنه سعى إلى التعمق أكثر في طبيعة القوى التي تحرك المنظمات التي تجسدها، وتأثير هذه القوى على الأفراد. كما ركز على خطوط درامية شكّلت إطارا إنسانيا يحيط بلعبة الموت والمال. وتوسّعت زاوية الطرح في الموسم الثاني، منتقلةً من فكرة الصراع من أجل البقاء والتنازل عن المبادئ هربًا من الفقر، إلى استكشاف الطامحين إلى الثراء على حساب أرواح الآخرين، رغم عدم حاجتهم الحقيقية للمال.