صدرت يوم الخميس الماضي سيرة ذاتية للكاتبة الكندية المرموقة مارغريت آتوود، بعنوان “كتاب الحيوات”، وهي رحلة ممتدة عبر مسيرتها الشخصية والأدبية، بدءًا من طفولتها في الغابات الكندية وصولًا إلى نجاح روايتها “حكاية الجارية” وتأثيرها العالمي. يستكشف الكتاب، الذي يضم حوالي 600 صفحة، تفاصيل حياة آتوود الغنية، محاولًا فك شفرة العلاقة المعقدة بين الذاكرة والخيال والكتابة.
تأتي هذه السيرة الذاتية في وقت يزداد فيه الاهتمام بأعمال آتوود، خاصةً بعد النجاح الكبير الذي حققه المسلسل التلفزيوني المقتبس من “حكاية الجارية”، مما عزز مكانتها كواحدة من أهم الأصوات الأدبية المعاصرة. وقد لاقت السيرة الذاتية إشادة واسعة من النقاد، الذين أشادوا بصدقها ونظرتها العميقة إلى الحياة والإبداع.
رحلة عبر الزمن والذاكرة في سيرة مارغريت آتوود الذاتية
تفتتح آتوود كتابها بعبارة عميقة تعكس طبيعة السرد الذاتي، معترفةً بأن الذاكرة قد تخونها أحيانًا. هذا الاعتراف يضع القارئ في مواجهة حقيقة أن ما سيقرأه ليس استرجاعًا موضوعيًا للأحداث، بل هو شهادة شخصية تتشابك فيها الذاكرة والنص والخيال. توضح الكاتبة أن “الذكريات قد تكون دقيقة لكنها خيالية”، مما يفتح الباب أمام فهم أعمق لطبيعة السيرة الذاتية كنوع أدبي.
طفولة في أحضان الطبيعة وتكوين الخيال
تروي آتوود بحنين بالغ ذكرياتها عن طفولتها غير التقليدية كابنة لعالم حشرات، حيث قضت سنواتها الأولى في كوخ وسط غابة في أونتاريو. تلك النشأة الاستثنائية، التي تميزت بالحرية والانعزال عن صخب الحياة المدنية، حفّزت مخيلتها وشغفها بالقصص. بدأت آتوود كتابة حكاياتها الخيالية في سن السادسة، مفتونةً بقصص الأخوين غريم، ولم تبدأ الدراسة الرسمية إلا في سن الحادية عشرة.
تشير آتوود إلى أن الصمت الذي كانت تحيط به الغابة عزز من قدرتها على الاستماع إلى الأصوات الداخلية، وهو ما انعكس على أسلوبها الروائي. ترى أن “الصمت الذي يلفّ الغابة هو نفس الضجيج الذي أشعر به عندما أكتب”. هذا الارتباط العميق بين البيئة والطبيعة والإبداع يمثل أحد المحاور الرئيسية في سيرتها الذاتية.
“حكاية الجارية” والمسيرة الأدبية المتميزة
تخصص آتوود جزءًا من كتابها لروايتها الأشهر “حكاية الجارية”، التي نُشرت عام 1985 وأصبحت اليوم عملًا استشرافيًا بالغ الأهمية، خاصةً بعد تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني ناجح. تستعرض الكاتبة السياق الذي أدى إلى كتابة الرواية، وكيف استلهمت أفكارها من الأحداث التاريخية والاجتماعية المعاصرة. الرواية تصور مجتمعًا ديستوبيًا تتحول فيه أمريكا إلى دكتاتورية دينية أبوية، حيث تُستغل النساء كأدوات للتكاثر.
بالإضافة إلى “حكاية الجارية”، يوثق الكتاب مسيرة آتوود الأدبية الحافلة، التي تضم ما يقرب من 50 عملًا بين رواية ومقالة وديوان شعري. تُرجمت أعمالها إلى العديد من اللغات وحازت على جوائز أدبية مرموقة، بما في ذلك جائزة بوكر البريطانية. شاركت آتوود أيضًا في العديد من المناقشات العامة والفعاليات الأدبية، معبرةً عن آرائها حول القضايا السياسية والاجتماعية الهامة.
نظرة مستقبلية وقلق من تصاعد الاستبداد
تختتم آتوود سيرتها الذاتية بتعبيرها عن قلقها العميق من أن “عصر التفاؤل” الذي عاشته قد شارف على الانتهاء، محذرة من تصاعد الاستبداد في جميع أنحاء العالم. تشير بشكل خاص إلى التطورات المقلقة في الولايات المتحدة، معتبرةً أنها تمثل تهديدًا للقيم الديمقراطية والحريات الفردية. هذا التحذير يعكس إيمان آتوود بأهمية اليقظة والمقاومة في وجه الظلم والقمع.
من المتوقع أن تشهد المبيعات قفزة كبيرة في السيرة الذاتية خلال الأسابيع القادمة، وأن تثير المزيد من النقاشات حول أعمال آتوود وأفكارها. يبقى من المبكر تحديد تأثير هذا الكتاب على مسيرتها الأدبية، ولكن من المؤكد أنه سيعزز مكانتها كواحدة من أهم الأصوات الأدبية المؤثرة في عصرنا.













