تعرض التراث الأثري الفلسطيني في قطاع غزة لدمار واسع النطاق خلال الحرب المستمرة، حيث استهدفت القوات الإسرائيلية بشكل ممنهج مواقع تاريخية وثقافية يعود بعضها إلى قرون مضت. تشير التقارير إلى أن هذا التدمير يهدف إلى طمس الهوية الفلسطينية وإزالة آثار حضارات متعاقبة على هذه الأرض، مما أثار غضبًا واستياءً دوليًا واسعًا. وبلغت الخسائر الأولية مليارات الدولارات.
وكشف التصعيد الأخير في القتال عن حجم الضرر الهائل الذي لحق بالمعالم الأثرية، بالإضافة إلى تقارير عن سرقة قطع أثرية من المتاحف والمواقع التاريخية. أدى القصف والتدمير المتعمد إلى خسائر لا تقدر بثمن في الذاكرة الفلسطينية الجماعية، مما يتطلب جهودًا دولية عاجلة لتوثيق الأضرار والحفاظ على ما تبقى من هذا التراث.
تدمير المواقع الأثرية في غزة
أفاد مدير عام وزارة السياحة والآثار في غزة، زكريا الهور، بأن القوات الإسرائيلية دمرت بشكل كلي أو جزئي ما يقارب 316 موقعًا ومبنى أثريًا. تعود هذه المواقع بشكل كبير إلى العصور المملوكية (القرن الثالث عشر إلى السادس عشر الميلادي) والعثمانية (القرن السادس عشر إلى العشرين الميلادي). ويتضمن الدمار مساجد وقلاع وحمامات عامة وأبنية تاريخية أخرى ذات قيمة دينية وثقافية واجتماعية كبيرة.
ومن بين المواقع التي لحقت بها أضرار جسيمة المسجد العمري الكبير، الذي يعود تاريخه إلى العهد الراشدي في القرن السابع الميلادي، وقصر الباشا الذي بني في عهد السلطان الظاهر بيبرس عام 1260 ميلاديًا، والذي كان متحفًا يحتضن كنوزًا أثرية نادرة. كما دُمر حمام السمرة التاريخي الذي يعود للقرن الرابع عشر الميلادي، وسباط العلمي، الذي يعتبر جزءًا مهمًا من التراث المعماري المملوكي في غزة.
أهمية المواقع المدمرة
تعتبر كنيسة بيرفيريوس، وهي من أقدم الكنائس في فلسطين، تحفة معمارية بيزنطية تعود إلى القرن الخامس الميلادي، وقد تعرضت أيضًا لأضرار فادحة. بالإضافة إلى ذلك، استهدف القصف مسجدين تاريخيين، وهما الظفردمري وابن عثمان، إلى جانب العديد من المساجد والمباني الأثرية الأخرى. هذه المواقع ليست مجرد هياكل حجرية، بل هي شهود على تاريخ طويل من الحضارات والثقافات التي ازدهرت في فلسطين.
وأشار الهور إلى أن معظم المقتنيات الأثرية الهامة كانت محفوظة في متحف قصر الباشا، وقد اختفت بعد الحصار الإسرائيلي والتدمير الكامل للمتحف. وعلى الرغم من البحث في الركام، لم يتم العثور على أي قطعة أثرية، مما يثير مخاوف جدية بشأن مصير هذا التراث الثقافي.
الخسائر الاقتصادية وتأثيرها على السياحة
تسببت عمليات التدمير في خسائر اقتصادية فادحة لقطاع السياحة الفلسطينية في غزة. وبحسب تقديرات أولية، بلغت الخسائر في القطاع الترفيهي والفندقي حوالي ملياري دولار، نتيجة لتدمير الفنادق والشاليهات والمنتجعات السياحية والمتنزهات ومكاتب السياحة والسفر. هذا الدمار أدى إلى فقدان أكثر من 7 آلاف عامل لوظائفهم، مما زاد من معدلات البطالة في القطاع.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 85% من المنشآت السياحية في غزة قد دُمرت بشكل كامل، بينما تعرضت 10% لأضرار جزئية، والباقي لأضرار متوسطة. هذا الوضع يهدد بانهيار كامل للقطاع السياحي، الذي كان يعتبر مصدرًا مهمًا للدخل والتوظيف في غزة.
جهود الترميم والتحديات
بدأت وزارة السياحة والآثار في غزة العمل على إعداد خطط لإعادة تأهيل المواقع الأثرية المتضررة، مع التركيز على تقديم “الإسعافات الأولية الطارئة” للحفاظ على ما تبقى من هذه المعالم. ومع ذلك، تواجه هذه الجهود تحديات كبيرة، بما في ذلك منع إسرائيل إدخال مواد البناء اللازمة للترميم.
وتجري الوزارة اتصالات مع المؤسسات المحلية والدولية لجمع التبرعات وتوفير الخبرات اللازمة لترميم وإعادة إعمار المباني الأثرية. وتقدر التكلفة الإجمالية لعملية الترميم بحوالي 50 مليون دولار، مما يتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية.
وفي الختام، يتطلب الوضع في غزة تقييمًا شاملًا للأضرار التي لحقت بالتراث الثقافي، ووضع خطة تفصيلية للترميم والحماية. من المتوقع أن تستغرق عملية إعادة الإعمار سنوات عديدة، وأن تتطلب دعمًا ماليًا ولوجستيًا كبيرًا من المجتمع الدولي. وينبغي مراقبة التطورات على الأرض عن كثب، واتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على هذا التراث الثمين للأجيال القادمة.













