حذّر خبراء وباحثون ومسؤولون سابقون من مصر والسودان من مخططات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار السودان وتقسيمه، وذلك خلال نقاشات حول الأوضاع المتدهورة في البلاد. وأكد المشاركون في “طاولة مستديرة” نظمتها مراكز أبحاث في القاهرة على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السودانية، ورفض الاعتراف بشرعية قوات الدعم السريع، مع الدعوة إلى حوار سوداني شامل يضمن مشاركة جميع الأطراف دون إقصاء. وتأتي هذه التحذيرات في ظل استمرار القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مما يثير مخاوف إقليمية ودولية.
عقدت الندوة التي جمعت نخبة من الخبراء والدبلوماسيين والإعلاميين، بالتعاون بين المركز العالمي للدراسات السياسية والإستراتيجية السوداني ومركز الدراسات الإستراتيجية وتنمية القيم المصري. وخلصت التوصيات إلى التأكيد على أهمية دعم مؤسسات الدولة السودانية، وعلى رأسها القوات المسلحة، والعمل على إيجاد حل سياسي شامل ينهي الأزمة الحالية ويحمي وحدة السودان.
الأزمة السودانية: مخططات التقسيم والتدخلات الإقليمية
أشار المتحدثون إلى وجود أدلة متزايدة على تدخلات خارجية في الأزمة السودانية، بما في ذلك دعم مباشر وغير مباشر لقوات الدعم السريع. وترافق ذلك مع اتهامات صريحة لأطراف إقليمية باستغلال الصراع لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية. ورأى المشاركون أن هذه التدخلات تشكل تهديداً وجودياً للدولة السودانية، وتسعى إلى تفكيكها وتقسيمها.
وزير الخارجية السوداني السابق، علي يوسف، أكد أن السلام المستدام في السودان لا يمكن تحقيقه إلا من خلال مشروع وطني يشارك فيه جميع السودانيين دون استثناء. وأضاف أن ما يمر به السودان ليس مجرد حرب داخلية، بل هو معركة من أجل بقاء الدولة وهويتها الوطنية. وحذر من مغبة دفع التيار الإسلامي نحو التطرف، مشدداً على أنه جزء من النسيج الاجتماعي السوداني ويمكن أن يلعب دوراً إيجابياً في حل الأزمة.
دور “منبر جدة” في حل الأزمة
تم التأكيد على أهمية إحياء مفاوضات “منبر جدة” واستكمال الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم وحل سياسي شامل. واقترح المشاركون وضع جدول زمني واضح لحسم وضع قوات الدعم السريع، من خلال دمجها في القوات المسلحة أو تسريحها، استناداً إلى “إعلان جدة” الذي تم توقيعه في مايو 2023. ويرى الخبراء أن “منبر جدة” يمثل المنصة الأنسب للحوار بين الأطراف السودانية المختلفة، برعاية دولية.
من جانبه، أوضح عبد العزيز عشر، مدير المركز العالمي للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن الهدنة الإنسانية المقترحة من مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية تهدف بشكل أساسي إلى منح قوات الدعم السريع فرصة لإعادة التنظيم بعد الخسائر التي تكبدتها في إقليم كردفان. وحذر من أن أي محاولة لتقويض الوضع القائم ستؤدي إلى “شرعنة” قوات الدعم السريع وداعميها الإقليميين، مما يزيد من خطر تفكيك الدولة على غرار النموذج الليبي.
كما حذر اللواء إبراهيم سليمان، وزير الدفاع السوداني السابق، من أن ثلثي مساحة السودان آمنة تحت سيطرة الجيش، بينما يسيطر الدعم السريع على إقليم دارفور باستثناء بعض المناطق. وتوقع أن يسحب الدعم السريع قواته إلى دارفور في حال صمود الفرقة 22 مشاة في مدينة بابنوسة. وأكد أن الجيش السوداني سينتصر في النهاية، مهما طالت مدة الحرب.
مخاطر التدخلات الخارجية وتداعياتها على الأمن الإقليمي
أشار المتحدثون إلى أن التدخلات الخارجية في السودان لا تهدد وحدة البلاد فحسب، بل تشكل أيضاً خطراً على الأمن الإقليمي. وأكدوا أن استقرار السودان ضروري لاستقرار منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي. كما حذروا من أن تقسيم السودان قد يؤدي إلى اندلاع صراعات جديدة وتفاقم الأزمات الإنسانية.
وأكد مصطفى بكري، النائب في البرلمان المصري، على مركزية الدور المصري في دعم وحدة السودان واستقراره. وأشار إلى أن مصر تتخذ خطوات حثيثة لمتابعة تطورات الأزمة السودانية، وتعمل على التنسيق مع الأطراف السودانية المختلفة، بالإضافة إلى الجهود الدولية المبذولة لحل الأزمة. وشدد على ضرورة الحفاظ على الأمن القومي المصري في ظل التطورات الإقليمية.
وتشير التقديرات إلى أن الوضع في السودان سيظل معقداً وغير مستقر في المدى القصير والمتوسط. ومن المتوقع أن تستمر الجهود الدبلوماسية والوساطة الدولية للتوصل إلى حل سياسي شامل. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد على إرادة الأطراف السودانية المختلفة، وعلى قدرة المجتمع الدولي على الضغط على القوى الإقليمية التي تسعى إلى التدخل في الشأن السوداني. وستظل وحدة السودان واستقراره رهناً بتجاوز هذه التحديات.













