د. خالد بن إبراهيم العليان
من خلال استعراضنا لتعريف الفقهاء -رحمهم الله- لكل من الإفلاس والإعسار في الفقه الإسلامي يتبين لنا أن ثمة علاقة وثيقة تربط بين الإفلاس والإعسار إذ أن بينهما عموم وخصوص، فمصطلح الإعسار أعم من الإفلاس، فكل معسر مفلس، وليس كل مفلس معسر، إذ أن وصف الإعسار أعم وأشمل من الإفلاس، فقد يجتمعان في شخص واحد ومع ذلك فإن الفقه الإسلامي يفرق بين الإفلاس والإعسار من حيث المعنى والأثر الذي يترتب عليه.
أما من حيث المعنى فإن المفلس قد يكون لا مال له عند بعض الفقهاء، وقد يكون عنده مال كثير لكن هذا المال لا يفي بديونه الحالَّة، أما المعسر فهو المدين الذي لا مال له أصلاً، وعسرت عليه أموره، فالإعسار أعم من الإفلاس، إذ أن الإفلاس لا يكون إلا بعد يسار، أما الإعسار فلا يشترط أن يسبقه يسار.
أما من حيث الأثر فإن المفلس تطبق عليه أحكام الإفلاس التي بينها الفقهاء من الحجر على المفلس، وعدم نفاذ تصرفه في ماله، وهو ما يعبر عنه في أحكام القانون “بغلِّ اليد” وذلك تمهيداً لبيع أمواله وتقسيمها بين الغرماء فضلاً عن أنه يحل الإغلاظ له في القول وتعزيره وحبسه إن كان مماطلاً. لقوله-صلى الله عليه وسلم- “لي الواجد يحل عرضه وعقوبته”، واللي هو المطل والتسويف، والواجد هو الغني، والمراد بقوله عرضه أي شكايته أمام المحاكم، والمراد بقوله وعقوبته أي حبسه أو ضربه وهذا مرجعه للإمام.
أما المعسر فلا يعامل بشيء من ذلك، إنما يجب إنظاره إلى الميسرة وحتى يخرج من حالة العسر إلى اليسر، وذلك انطلاقاً من القاعدة العامة في الشريعة الإسلامية المنصوص عليها في قوله -تبارك وتعالى- “وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة”، وكذلك تطبيقاً لما جاء في سنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-من أحاديث تبين فضل إنظار المعسر وتحث عليه، ومن ذلك ما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: “من أنظر معسراً أو وضع عنه، أظله الله في ظله”.
وكذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال “كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إن اتيت معسراً فتجاوز عنه لعلَّ الله يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه”.
وكل ما تقدم ذكره من الأدلة تقرر مسألة فضل إنظار المعسر وعدم مطالبته إلى حين يسار.











