طور باحثون في معهد العلوم والتكنولوجيا النمساوي طريقة جديدة لمراقبة عملية شحن الجسيمات الدقيقة في الهواء، باستخدام أشعة الليزر كأداة دقيقة. هذه التقنية المبتكرة قد تساعد العلماء على فهم أفضل لآلية تكون الشحنات الكهربائية داخل السحب، وكيفية بدء البرق، وهو حدث طبيعي لا يزال يحمل الكثير من الأسرار.
نُشرت نتائج الدراسة يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 في مجلة “فيزيكال ريفيو ليترز” العلمية المرموقة، وتفتح آفاقاً جديدة للبحث في الظواهر الجوية الكهربائية. تسعى الأبحاث الحالية لإيجاد تفسير للعمليات المعقدة التي تحدث داخل السحب الرعدية وتؤدي إلى حدوث البرق.
المصيدة الضوئية ودراسة شحن الجسيمات
تعتمد التقنية الجديدة على ما يُعرف بـ “المصيدة الضوئية”، وهي أداة تستخدم أشعة الليزر لتقييد حركة الجسيمات الصغيرة. باستخدام هذه المصيدة، تمكن الباحثون من تثبيت جسيمات السيليكا الدقيقة – التي تعمل كنموذج لبلورات الجليد – في الهواء ومراقبة كيفية اكتسابها للشحنة الكهربائية وفقدانها مع مرور الوقت.
يقول الباحثون إن هذه التقنية تتيح لهم التحكم بدقة في شحن الجسيمات ومراقبة التغيرات التي تطرأ عليها في بيئة معزولة. وحسبما أوضحت الباحثة الرئيسية في الدراسة، أندريا ستولنر، فإنهم تمكنوا من إبقاء الجسيمات ثابتة لأسابيع، وهو ما كان يعتبر صعبًا للغاية.
كيف تعمل المصيدة الضوئية؟
توضح ستولنر أن المصيدة الضوئية تعمل من خلال تركيز شعاعين ليزريين على جسيم صغير. يؤدي هذا التركيز إلى إنشاء قوة تجذب الجسيم إلى نقطة التقاء الشعاعين، مما يثبته في مكانه. وبالتالي، يمكن للباحثين دراسة تفاعلات الجسيم مع البيئة المحيطة به بدقة.
أظهرت التجارب أن الليزر نفسه يلعب دوراً في شحن الجسيمات، حيث يكتسب الجسيم شحنات إيجابية تدريجية عند تعرضه للضوء. ومع ذلك، فإن هذه الشحنات لا تتراكم إلى أجل غير مسمى؛ بل يبدأ الجسيم بإطلاق “تفريغات كهربائية” صغيرة عندما تصل شحنته إلى مستوى معين.
الرابط بين التفريغات الصغيرة وتكون البرق
يعتقد الباحثون أن هذه التفريغات الكهربائية الصغيرة تشبه إلى حد كبير ما يحدث داخل السحب الرعدية، حيث تتراكم الشحنات الكهربائية بين طبقات السحابة. في النهاية، تتجاوز هذه الشحنات قدرة السحابة على الاحتفاظ بها، مما يؤدي إلى التفريغ الكبير الذي نعرفه باسم البرق.
لطالما كان اللغز الأكبر هو تحديد الآلية التي تبدأ بها شرارة البرق داخل السحابة. توجد العديد من النظريات، بما في ذلك تصادم بلورات الثلج ودور الأشعة الكونية، لكن لم يتمكن العلماء حتى الآن من إثبات أي منها بشكل قاطع. أحد التحديات هو أن قوة المجال الكهربائي داخل السحب غالباً ما تكون أضعف من الحد المطلوب لبدء تفريغ كبير.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أظهرت الدراسة ظاهرة جديدة وهي أن الليزر قادر على تغيير شحنة الجسيمات الدقيقة. هذه الملاحظة تفتح الباب أمام دراسة كيفية تأثير العوامل الخارجية على عملية شحن الجسيمات في الغلاف الجوي، وهو ما قد يكون له آثار على فهم الظواهر الجوية الأخرى، كالرياح والغبار.
الخطوة التالية، وفقًا للباحثين، هي تكرار هذه التجارب تحت ظروف أقرب إلى البيئة الموجودة داخل السحب الحقيقية. يأملون في ذلك في الحصول على فهم أعمق لآلية تكون البرق، وتحديد العوامل التي تؤدي إلى بدء تفريغه. قد يستغرق هذا الأمر حتى نهاية عام 2026، ويتوقف على مدى إمكانية محاكاة الظروف الجوية المعقدة في المختبر.













