في عام 2025، برزت السينما الوثائقية كأداة قوية لرصد وتحليل الأحداث العالمية، مقدمةً نافذة على تجارب إنسانية متنوعة. لم تكتفِ هذه الأفلام بتسجيل الواقع، بل سعت إلى فهم أعمق للدوافع والتداعيات، مع التركيز على قصص الصمود، والفقد، والبحث عن المعنى في عالم متغير. وتُظهر الأعمال المميزة لهذا العام قدرة الفن على كشف ما هو خفي، ورصد ما لا يراه الكثيرون، وتقديم رؤى جديدة حول قضايا معقدة.
وتشهد الساحة الوثائقية تنوعًا ملحوظًا في المواضيع والأساليب، بدءًا من الأفلام التي تتناول الصراعات السياسية والاجتماعية، وصولًا إلى تلك التي تركز على قضايا إنسانية فردية. وتتميز هذه الأعمال بقدرتها على إثارة النقاش والتأمل، وتقديم وجهات نظر مختلفة حول الأحداث الجارية. وفي هذا التقرير، نسلط الضوء على بعض أهم الأفلام الوثائقية التي أثارت اهتمامًا واسعًا خلال العام الحالي.
العراق: الأسود على ضفاف نهر دجلة
يُعد فيلم “الأسود على ضفاف نهر دجلة” (The Lions by the River Tigris) من أبرز الأعمال الوثائقية التي قدمت صورة مؤثرة عن العراق بعد سنوات من الصراع والدمار. على الرغم من كونه إنتاجًا أوروبيًا مشتركًا بين العراق والنرويج وهولندا، إلا أنه يحافظ على أصالة القصة والشخصيات العراقية، ويقدمها للجمهور العالمي.
يأخذ الفيلم المشاهدين في رحلة إلى مدينة الموصل، حيث يرافقون مجموعة من السكان وهم يحاولون إعادة بناء حياتهم وهويتهم الثقافية. لا يعتمد الفيلم على السرد السياسي المباشر، بل يركز على التفاصيل الإنسانية الصغيرة، مثل الذكريات، والخسائر، والحنين إلى الماضي. ويُظهر الفيلم كيف يحاول الناس التمسك بأملهم في مستقبل أفضل، على الرغم من التحديات والصعوبات التي تواجههم.
فنيًا، يتميز الفيلم بالإيقاع البطيء واللغة البصرية الشاعرية، مما يمنحه عمقًا وتأثيرًا عاطفيًا. اعتمد المخرج على لقطات طويلة وتأملية للنهر، والبيوت المهدمة، والوجوه الصامتة، لخلق جو من الحزن والأسى، ولكنه أيضًا يعكس قوة الإرادة الإنسانية.
إيران: اختراق الصخور
يتناول الفيلم الوثائقي “اختراق الصخور” (Cutting Through Rocks) قصة سارة شاهي فردي، أول امرأة تنتخب لعضوية مجلس قروي في منطقة ريفية محافظة في إيران. لا يقتصر الفيلم على رصد هذا الحدث التاريخي، بل يغوص في تفاصيل حياة سارة، ويكشف عن الصراعات والتحديات التي واجهتها في سعيها لتحقيق التغيير.
يُظهر الفيلم كيف تتحدى سارة العادات والتقاليد المتجذرة في المجتمع الإيراني، وكيف تسعى إلى تمكين المرأة وإعطائها صوتًا في صنع القرار. كما يسلط الضوء على التوترات بين السلطة المحلية والمجتمع المدني، وكيف يمكن للأفراد أن يحدثوا فرقًا في عالم مليء بالقيود والتحديات.
اعتمد المخرج على أسلوب تصوير واقعي ومباشر، وتجنب التعليق الصوتي الموجه، لترك المشاهدين يستخلصون استنتاجاتهم الخاصة. وقد لاقى الفيلم استحسانًا واسعًا في المهرجانات السينمائية الدولية، وحصل على العديد من الجوائز والتقديرات.
أميركا: كشف الحقيقة المخفية
من الولايات المتحدة، يبرز فيلمان وثائقيان هذا العام. الأول، “كارثة أوشن غيت” (Titan: The OceanGate Disaster)، يقدم تحقيقًا مفصلًا في حادثة الغواصة “تيتان” التي كانت متجهة إلى حطام سفينة “تايتانيك”. يركز الفيلم على الساعات الأخيرة التي سبقت الكارثة، والأسباب التي أدت إلى انفجار الغواصة، مع تسليط الضوء على المخاطر التي تنطوي عليها السياحة المتطرفة.
أما الفيلم الثاني، “التغطية/كشف الحقيقة المخفية” (Cover‑Up)، فهو فيلم عن حياة الصحفي الاستقصائي سي مور هيرش، الذي كشف عن العديد من الفضائح والجرائم التي ارتكبتها المؤسسات الأمريكية. يعرض الفيلم مسيرة هيرش المهنية، والتحديات التي واجهها في سعيه لكشف الحقيقة، والأثر الذي تركه في مجال الصحافة الاستقصائية.
يستخدم الفيلم مزيجًا من المقابلات، والمواد الأرشيفية، والوثائق السرية، لتقديم صورة شاملة عن حياة هيرش وعمله. ويُظهر الفيلم كيف يمكن للصحافة الاستقصائية أن تلعب دورًا حيويًا في محاسبة السلطة، وكشف الفساد، وحماية الحريات المدنية.
من المتوقع أن تستمر السينما الوثائقية في لعب دور مهم في تشكيل الوعي العام، وإثارة النقاش حول القضايا الملحة. ومع تزايد الاهتمام بالقصص الإنسانية، والتجارب الفردية، من المرجح أن نشهد المزيد من الأفلام الوثائقية التي تتناول هذه المواضيع، وتقدم رؤى جديدة حول عالمنا. وستظل المهرجانات السينمائية الدولية منصة مهمة لعرض هذه الأفلام، وتقدير جهود صناعها.













