أظهرت دراسة بحثية مشتركة بين جامعتي حلب السورية والملك سعود السعودية، أن بكتيريا “وُلباخيا” الموجودة في بعوضة “الكيولكس” أو البعوضة المنزلية، قد تكون مفتاحًا للقضاء عليها بيولوجيًا، دون اللجوء إلى المبيدات الحشرية. وقد نشرت نتائج الدراسة في دورية “جورنال أوف جينتيك إنجنيِرينغ أند بايوتكنولوجي”، وتفتح آفاقًا جديدة لمكافحة هذا النوع من البعوض الذي ينقل أمراضًا خطيرة مثل حمى الضنك وفيروس غرب النيل.
أجرى البحث فريق من العلماء بقيادة الدكتورة ريم العجمي من جامعة الملك سعود والدكتور أحمد اللاحم من جامعة حلب، حيث قاموا بتحليل عينات من بعوض “الكيولكس” تم جمعها من مناطق مختلفة في مدينة حلب. ويهدف البحث في الأساس إلى فهم التنوع البكتيري داخل البعوضة وعلاقته بقدرتها على نقل الأمراض، إلا أن اكتشاف بكتيريا “وُلباخيا” كان نتيجة غير متوقعة ذات أهمية كبيرة.
لماذا دراسة بعوضة “الكيولكس”؟
تعتبر بعوضة “الكيولكس” من أكثر أنواع البعوض انتشارًا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وهي ناقل رئيسي لأمراض فيروسية مثل حمى الضنك وفيروس غرب النيل. وتشير الدكتورة ريم العجمي إلى أن فهم التفاعلات بين البعوض والميكروبات التي تعيش داخله، والمعروفة باسم الميكروبيوم، يمكن أن يساعد في تطوير استراتيجيات جديدة لمكافحة هذا البعوض.
ويوضح الدكتور أحمد اللاحم أن اختيار مدينة حلب لإجراء الدراسة يعود إلى عدة أسباب، منها عدم وجود أبحاث سابقة مكثفة حول بعوض “الكيولكس” في المنطقة، بالإضافة إلى التنوع البيولوجي الكبير لهذا النوع من البعوض في المدينة. كما أن الظروف البيئية في حلب، بما في ذلك تلوث المياه، قد تؤثر على المجتمعات البكتيرية داخل البعوض.
تلوث المياه و البعوض
أظهرت الدراسات السابقة وجود فيروس غرب النيل في بعوض “الكيولكس” في حلب، مما يؤكد خطورة هذا النوع من البعوض على الصحة العامة. ويضيف الدكتور اللاحم أن أنثى بعوضة “الكيولكس” تتغذى على الدماء وتتكاثر في المياه الراكدة الملوثة، مما يزيد من خطر انتقال الأمراض إلى البشر.
اكتشاف بكتيريا “وُلباخيا” وآفاق المكافحة الحيوية
أظهرت نتائج الدراسة أن كلا من ذكور وإناث بعوض “الكيولكس” يحملان بكتيريا “وُلباخيا” في أجسامهم. وتتميز هذه البكتيريا بقدرتها على التأثير على تكاثر البعوض، حيث تسبب عدم توافق بين البويضات والنطف، مما يؤدي إلى فشل الإخصاب وموت الأجنة. وهذا الاكتشاف يفتح الباب أمام استخدام بكتيريا “وُلباخيا” كأداة للمكافحة الحيوية.
وتشرح الدكتورة ريم العجمي أن إطلاق ذكور بعوض مصابة ببكتيريا “وُلباخيا” في الطبيعة يمكن أن يؤدي إلى تقليل أعداد البعوض بشكل طبيعي، دون الحاجة إلى استخدام المبيدات الكيميائية الضارة بالبيئة. وتعتبر هذه الطريقة واعدة لأنها تستهدف البعوض بشكل خاص، ولا تؤثر على الكائنات الحية الأخرى.
بالإضافة إلى اكتشاف بكتيريا “وُلباخيا”، كشفت الدراسة عن وجود أنواع أخرى من البكتيريا داخل أجسام بعوض “الكيولكس”، بما في ذلك الإشريكية القولونية والمكورات العنقودية الذهبية. ويشير الباحثون إلى أن هذه البكتيريا قد تكون مرتبطة بتلوث المياه، ولكنها لا تمثل بالضرورة خطرًا مباشرًا على الصحة العامة.
تعتبر هذه الدراسة خطوة مهمة في فهم التفاعلات المعقدة بين البعوض والميكروبات التي تعيش داخله. ويخطط الفريق البحثي الآن لإجراء تجارب مخبرية لتقييم فعالية بكتيريا “وُلباخيا” في مكافحة بعوض “الكيولكس” وأنواع أخرى من الحشرات الناقلة للأمراض. ومن المتوقع أن تبدأ هذه التجارب في غضون الأشهر القليلة القادمة، وستركز على عزل سلالات محلية من بكتيريا “وُلباخيا” وتطوير طرق فعالة لإطلاقها في البيئة. وستراقب الفرق البحثية عن كثب تأثير هذه الطريقة على أعداد البعوض وعلى انتشار الأمراض التي تنقلها.













